ويظهر أثر هذا الإشكال في ألفاظ المعاملات بعد ما تبين كون ماهيات العبادات من مخترعات الشارع، فالمعاملات بهذا الاعتبار مما اشتبه حاله من حيث اندراجه في كبرى المسألة، وفيها اشتباه آخر من حيث اندراجها في صغرى المسألة، المتقدم ذكرها عند بيان الضابط الكلي، الذي يعنون به موضوع المسألة فينبغي التكلم فيها من جهتين.
الجهة الأولى: في أن الألفاظ الواقعة على المعاملات هل ثبت فيها للمتشرعة اصطلاح خاص وارد على اصطلاح العرف واللغة، لتكون حقائق متشرعة أو لا؟
وينبغي الإشارة أولا: إلى الفرق بين العبادات والمعاملات، وبيان ما هو محل الاشتباه من المعاملات.
فنقول: إن العبادات قد تطلق على ما لا مقابل لها من المعاملات، وهو كل ما يتوقف ترتب الثواب عليه على النية وقصد القربة، ويدخل فيها بهذا المعنى جميع المعاملات من العقود والإيقاعات وجميع المباحات الأصلية بل المكروهات أيضا، فضلا عن الواجبات والمندوبات، لما ثبت في كل واحد جهة رجحان بعروض بعض الوجوه والاعتبارات، لو أتى به المكلف بداعي ذلك الرجحان لاستحق الثواب، ولا ينبغي أن ينزل عليه العبادات في قول من خص الحقيقة الشرعية بها لوضوح فساده.
وقد تطلق على ما هو أخص من الأول وهو كل ما كان مبنى مشروعيته في الدين على ورود الأمر به إيجابا أو ندبا سواء توقف صحته على النية أو لا، فدخل فيه جميع الواجبات الأصلية تعبدية أو توصلية، بل المندوبات كذلك، ويقابله المعاملات، وهذا أيضا مما لا ينبغي أن يكون مرادا لمخصص الحقيقة الشرعية بالعبادات، وإلا لزم منه القول بما لم يتفوه به أحد، من ثبوت الحقيقة الشرعية في مثل الغسل عن الأخباث، وإزالة النجاسة عن المسجد، وكفن الأموات ودفنهم وإنقاذ الغريق، وإطفاء الحريق، وغير ذلك من التوصليات.
وقد تطلق على ما هو أخص مما ذكر، وهو كل ما يتوقف صحته على النية