إنما هو بعد الفراغ عن إثبات الملازمة الخارجية بينهما فلا يتطرق هنا شيء من وجهي الترديد المتقدم كما هو واضح.
حادي عشرها التزام التقييد وعدمه: المجعول أولهما من علائم المجاز وثانيهما من علامات الحقيقة، المفسران بوجدان اللفظ مستعملا في معنيين لا يجوز ذلك في أحدهما إلا مقيدا بقيد مع جوازه في الآخر مجردا عن القيد، ولا ينافيه وقوع التقييد في بعض الأحيان إذا لم يكن على جهة الالتزام - على معنى توقف الجواز عليه - فيحكم بكونه حقيقة في الثاني ومجازا في الأول، وذلك كما في " النار " و " الجناح " و " الماء " التي لا يجوز استعمالها في غير معانيها المعهودة إلا مقيدة فيقال: " نار الحرب " و " جناح الذل " و " ماء الورد " بخلاف استعمالها في معانيها المعهودة فإنه جائز بلا تقييد، وإن كان قد يقع التقييد في بعض الحقائق كما يقيد " الماء " و " الأسد " و " العين " بالكوز والإفتراس والنبع، فإنه ليس بلازم بالمعنى المذكور بل الأول لأجل الإفهام والثاني لأجل التأكيد والثالث لأجل التعيين.
أقول: الظاهر إن إطلاق التقييد هنا بملاحظة الأمثلة المذكورة بالبيان المذكور مسامحة، أو بناء على كون المراد منه تقييد مجرد اللفظ من دون تعلق له بالمعنى أصلا، ضرورة أن المعنى المجازي المراد من اللفظ على ما هو مفروض الأمثلة غير مقيد بشيء، وعليه فلابد وأن يراد منه ما يقابل إطلاق اللفظ بمعنى تجرده عما يصرفه عما وضع له إلى خلافه، فعدم الجواز مع عدم التقييد لا ينبغي أن يراد منه ما يخل بصحة أصل الاستعمال على معنى اندراجه في عداد الأغلاط، لوضوح أن التقييد وعدمه مما لا مدخل لهما في الصحة بهذا المعنى وعدمها، بل يراد منه ما يخل بحكمة المتكلم حيث قصد من اللفظ إفهام ما لا يفيده إلا بإعانة القيد فبتركه التقييد نقض غرضه، والالتزام به حينئذ حذر عن هذا القبيح المنافي للحكمة، فمحصل العنوان حينئذ يرجع إلى الالتزام بنصب القرينة اللفظية مع اللفظ للدلالة على إفهام ما قصد منه إفهامه.