فالناظر في حال الأمارة حينئذ لابد أن يلاحظها في مراتب ثلاث، على سبيل الترتب:
أوليها: النظر إليها إحرازا للملازمة الواقعية.
وثانيتها: النظر إليها طلبا لموضوعيتها بحسب العرف، وإنما يعدل إليها بعد اليأس عن الأولى.
وثالثتها: النظر فيها استعلاما لموضوعيتها بحسب الشرع، وإنما يعدل إليها بعد اليأس عن الأوليين، والوجه في الكل يظهر بالتأمل.
الأمر الثاني: في إن أمارة الوضع إنما تنهض أمارة للجاهل، وأما العالم فلا يعقل له الحاجة إلى إعمالها إلا إذا قصد به ضرب أمارة ونصب علامة لإرشاد الجاهل بمؤداها، ومنه تمسكهم بها في المسائل اللغوية المختلف فيها، لكن ينبغي أن يعلم إن الجاهل بالوضع قد يكون جاهلا به بالجهل الساذج، بأن لا يكون الموضوع له معلوما لا باعتبار معلومية أجزائه المفصلة ولا باعتبار معلومية صورته النوعية، وقد يكون جاهلا به بالجهل المشوب، وهو الجهل الذي خالطه نحو علم، ويلزمه الشك في الفردية ولو قوة، وهذا الشك في الفردية قد يكون باعتبار الشك في الصدق، وقد يكون باعتبار الشك في المصداق، وقد يكون باعتبار الشك فيهما معا.
والمراد بالأول: أن يكون الشك في الفردية، الذي مرجعه إلى الشك في صحة الحمل طارئا لشبهة في وصف المحمول، كما لو شك في فردية البليد للحمار نظرا إلى الشبهة في مفهوم الحمار، من حيث الوضع باعتبار تردده بين النوع الخاص من الحيوان أو مطلق قليل الإدراك.
وبالثاني: أن يكون الشك في الفردية الراجع إلى ما ذكر طارئا لشبهة في وصف الموضوع، كما لو شك في فردية رجل مردد بين كونه بليدا أو غير بليد للحمار، بعد البناء على كونه باعتبار الوضع لمطلق قليل الإدراك.
وبالثالث: أن يكون الشك في الفردية طارئا لشبهة في كل من وصفي المحمول والموضوع.