أن كل أمارة لانتفاء الوضع أمارة للمجاز، لما عرفت من أن الأمارة إنما تنهض أمارة للجاهل، ولا يعقل منه الحاجة إليها إلا في موضع الشك، الذي لا يعقل عروضه إلا بعد ثبوت مقدمتين:
إحداهما: ثبوت أصل الاستعمال، والأخرى صحته، وحينئذ فيندفع ما عساه يعترض على بعض الأمارات كعدم صحة السلب وصحته من أن غاية ما يفيده الأول هو ثبوت الوضع وهو أعم من الحقيقة، لجواز حصول الوضع وانتفاء الاستعمال، كما أن غاية ما يفيده الثاني هو انتفاء الوضع وهو أعم من المجاز لاحتمال الغلط، فإن الأول يندفع بفرض ثبوت الاستعمال والثاني بفرض صحته.
وإذا تمهدت الأمور المذكورة، فاعلم أن ما ادعي كونه أمارة من المتفق عليه والمختلف فيه أمور:
أولها تنصيص الواضع وهو على أقسام:
منها: أن ينص بما يدل على الوضع بطريق المطابقة، كما لو قال: " اللفظ الفلاني موضوع للمعنى الفلاني " أو قال - بعنوان الإخبار أو الإنشاء: " وضعته له " ومثله ما لو قال: " جعلته أو عينته له ".
ومنها: أن ينص بما يدل عليه بطريق الالتزام البين بالمعنى الأخص، كما لو قال: " اللفظ الفلاني اسم للمعنى الفلاني " بناء على أن اسم الشئ عرفا عبارة عن اللفظ الموضوع له، ومثله ما لو قال: " إنه حقيقة فيه " بناء على أن الوضع فيهما أعتبر بالقياس إلى اللفظ من باب الخارج اللازم، الذي أعتبر تقييده به على وجه خرج معه القيد.
ومنها: أن ينص بما يدل عليه بطريق الالتزام البين بالمعنى الأعم، كما لو قال:
" اللفظ الفلاني يدل بنفسه على المعنى الفلاني " فإنه يحصل بملاحظة الوضع المأخوذ فيه الدلالة بنفس اللفظ والدلالة على المعنى كذلك والنسبة بينهما، من حيث إنهما بحسب الخارج لا ينفك أحدهما عن صاحبه الجزم باللزوم، ومثله ما لو قال: " يجوز استعماله فيه مجردا عن القرينة للإفهام ".