خامسها: التبادر وعدمه، فإن الأول علامة للحقيقة كما أن الثاني علامة للمجاز، من التبادر تفاعل من البدور بمعنى السبق والسرعة، إلا أن الظاهر إنه في الإطلاقات يرد على حد ما هو الحال في التقاعد، وقد غلب في اصطلاح الأصوليين على معنى خاص اختلفت كلماتهم في تعريفه، إلا أن أصحها اعتبارا وأسلمها جمعا ومنعا ما أفاده العلامة الطباطبائي في شرحه للوافية من: " إنه فهم المعنى من اللفظ مع التجرد عن القرينة، أو قطع النظر عنها ".
والعطف تنويع لتعميم التعريف بالقياس إلى ما حصل من لفظ لم يقارنه قرينة أصلا، وما حصل من لفظ قارنه ما لا دخل له في فهم المعنى، فإن كلا منهما من المعرف عندهم.
وممن وافقه على هذا التعريف، الفاضل النراقي في مناهجه (1) غير أنه أسقط القيد الأخير، وكأ نه بناء منه على أخذ التجرد عن القرينة على وجه يعم التجرد الحقيقي والتجرد الحكمي، كما في صورة الاقتران بما لا مدخل له في الفهم، فإن وجود مثل ذلك بمنزلة عدمه، فمؤدى التعريف مع القيد المذكور ولا معه واحد، وإنما يختلف الحال بالاعتبار.
وفي كلام غير واحد تعريفه: " بسبق المعنى إلى الذهن " أو " سبق الذهن إلى المعنى " وكأ نه لتوهم كون النقل هنا من باب النقل من العام إلى الخاص.
ويشكل: بظهور عدم كون التبادر بمعناه المصطلح عليه من أفراده بمعناه اللغوي، فإن السبق على ما يساعد عليه الاعتبار من الأفعال المسندة إلى ذي الإرادة والشعور، المتوقف في تحققها على سابق ومسبوق، فخرج بالاعتبار الأول تعريفه بالعبارة الأولى، وبالاعتبار الثاني تعريفه بالعبارة الثانية.
فإذا أضيف إلى المعنى أو الذهن لابد وأن يكون لضرب من المسامحة والمجاز، وقضية ذلك أن يعتبر النقل من المبائن إلى مثله لمناسبة الشباهة، فإن المعنى في انفهامه عما بين المعاني يشبه الشئ السابق في انسباقه عما بين الأشياء.