ومنهم من قال: هو مخير في الأوقات كلها ولا يجب عليه العزم (1).
ومن العلماء من وقف في ذلك وانتظر البيان وقال: كل ذلك جائز.
والذي يقوى في نفسي: انه إذا وردت العبادة معلقة بوقت له أول واخر من جهة اللفظ فإنه يكون مخيرا بين أدائها في أوله واخره فان لم يفعل في أوله وجب عليه العزم على أدائه في اخره ثم يتضيق في اخر الوقت وذلك نحو ان يقول الله:
(تصدق اليوم بدرهم) (وصم في هذا الشهر يوما) فإنه يكون مخيرا بين ان يتصدق في أول النهار أو وسطه أو اخره وكك يكون مخيرا بين ان يصوم في أول الشهر أو وسطه أو اخره الا ان يقوم دليل على أنه واجب في أوله فيخرج عن هذا الباب.
والذي يدل على ذلك: ان الوقت الثاني مثل الوقت الأول في تناول الامر له بأداء العبادة فيه فليس لنا ان نجعل (2) أحدهما هو الواجب فيه دون الاخر فينبغي ان يكون مخيرا في الأوقات كلها.
وليس لهم ان يقولوا: ان هذا يرجع عليكم في اخر الوقت فإنكم جعلتموه مضيقا!
فان ذلك لابد منه في اخر الوقت لأنه ان لم يفعل (3) ذلك أدى إلى فوات العبادة وليس كذلك الوقت الأول لأنه إذا لم يفعل فيه فالوقت الثاني وقت له.
وليس لاحد ان يقول: ان هذا ينتقض بما ذكرتموه في الباب الأول من أن الامر يقتضى الفور وانه يجب المأمور به عقيبه.
وذلك انا انما قلنا ذلك في الأوامر المطلقة التي لها وقت واحد فحملناه على الفور وحمل مخالفونا على التراخي لما لم يكن في اللفظ تعيين الوقت وليس كذلك