لرب العالمين) * (البقرة: 131).
الوجه الرابع: الخليل هو الذي يسد خللك كما تسد خلله، وهذا القول ضعيف لأن إبراهيم عليه السلام لما كان خليلا مع الله امتنع أن يقال: إنه يسد الخلل، ومن هاهنا علمنا أنه لا يمكن تفسير الخليل بذلك، أما المفسرون فقد ذكروا في سبب نزول هذا اللقب وجوها: الأول: أنه لما صار الرمل الذي أتى به غلمانه دقيقا قالت امرأته: هذا من عند خليلك المصري، فقال إبراهيم: بل هو من خليلي الله، والثاني: قال شهر بن حوشب: هبط ملك في صورة رجل وذكر اسم الله بصوت رخيم شجي فقال إبراهيم عليه السلام: أذكره مرة أخرى، فقال لا أذكره مجانا، فقال لك مالي كله، فذكره الملك بصوت أشجى من الأول، فقال: أذكره مرة ثالثة ولك أولادي، فقال الملك: أبشر فإني ملك لا أحتاج إلى مالك وولدك، وإنما كان المقصود امتحانك، فلما بذل المال والأولاد على سماع ذكر الله لا جرم اتخذه الله خليلا. الثالث: روى طاوس عن ابن عباس أن جبريل والملائكة لما دخلوا على إبراهيم في صورة غلمان حسان الوجوه وظن الخليل أنهم أضيافه وذبح لهم عجلا سمينا وقربه إليهم وقال كلوا على شرط أن تسموا الله في أوله وتحمدوه في آخره، فقال جبريل أنت خليل الله، فنزل هذا الوصف. وأقول: فيه عندي وجه آخر، وهو أن جوهر الروح إذا كان مضيئا مشرقا علويا قليل التعلق باللذات الجسمانية والأحوال الجسدانية، ثم انضاف إلى مثل هذا الجوهر المقدس الشريف أعمال تزيده صقالة عن الكدورات الجسمانية وأفكار تزيده استنارة بالمعارف القدسية والجلايا الإلهية، صار مثل هذا الإنسان متوغلا في عالم القدس والطهارة متبرئا عن علائق الجسم والحس، ثم لا يزال هذا الإنسان يتزايد في هذه الأحوال الشريفة إلى أن يصير بحيث لا يرى إلا الله، ولا يسمع إلا الله، ولا يتحرك إلا بالله، ولا يسكن إلا بالله، ولا يمشي إلا بالله، فكان نور جلال الله قد سرى في جميع قواه الجسمانية وتخلل فيها وغاص في جواهرها، وتوغل في ماهياتها، فمثل هذا الإنسان هو الموصوف حقا بأنه خليل لما أنه تخللت محبة الله في جميع قواه، وإليه الإشارة بقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: " اللهم اجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا وفي عصبي نورا ".
المسألة الثالثة: قال بعض النصارى: لما جاز إطلاق اسم الخليل على إنسان معين على سبيل الاعزاز والتشريف، فلم لا يجوز إطلاق اسم الابن في حق عيسى عليه السلام على سبيل الاعزاز والتشريف.
وجوابه: أن الفرق أن كونه خليلا عبارة عن المحبة المفرطة، وذلك لا يقتضي الجنسية، أما