ولا يجوز أن يكون الواجب أربعة، وإلا لم يحصل فيها وسطى، فلا بد من جعلها خمسة لتحصل الوسطى، وكما دلت هذه الآية على وجوب خمس صلوات دلت على عدم وجوب الوتر، وإلا لصارت الصلوات الواجبة ستة، فحينئذ لا تحصل الوسطى فهذه الآية دلت على أن الواجب خمس صلوات إلا أنها غير دالة على بيان أوقاتها. وثانيها: قوله تعالى: * (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر) * (الإسراء: 78) فالواجب من الدلوك إلى الغسق هو الظهر والعصر، والواجب من الغسق إلى الفجر هو المغرب والعشاء والواجب في الفجر هو صلاة الصبح، وهذه الآية توهم أن للظهر والعصر وقتا واحدا وللمغرب والعشاء وقتا واحدا. وثالثها: قوله سبحانه * (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون) * (الروم: 17) والمراد منه الصلاتان الواقعتان في طرفي النهار وهما المغرب والصبح، ثم قال * (وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون) * (الروم: 18) فقوله * (وعشيا) * المراد منه الصلاة الواقعة في محض الليل وهي صلاة العشاء، وقوله * (وحين تظهرون) * المراد الصلاة الواقعة في محض النهار، وهي صلاة الظهر كما قدم في قوله * (حين تمسون وحين تصبحون) * (الروم: 17) صلاة الليل على صلاة النهار في الذكر، فكذلك قدم في قوله * (وعشيا وحين تظهرون) * صلاة الليل على صلاة النهار في الذكر، فصارت الصلوات الأربعة مذكورة في هذه الآية، وأما صلاة العصر فقد أفردها الله تعالى بالذكر في قوله * (والعصر) * تشريفا لها بالإفراد بالذكر. ورابعها: قوله تعالى: * (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل) * (هود: 114) فقوله * (طرفي النهار) * يفيد وجوب صلاة الصبح وجوب صلاة العصر لأنهما كالواقعتين على الطرفين، وإن كانت صلاة الصبح واقعة قبل حدوث الطرف الأول وصلاة العصر واقعة قبل حدوث الطرف الثاني. وقوله * (وزلفا من الليل) * يفيد وجوب المغرب والعشاء، وكان بعضهم يستدل بهذه الآية على وجوب الوتر قال: لأن الزلف جمع، وأقله ثلاثة، فلا بد وأن يجب ثلاث صلوات في الليل عملا بقوله * (وزلفا من الليل) * وخامسها: قوله تعالى * (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح) * فقوله * (قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) * (طه: 130) إشارة إلى الصبح والعصر، وهو كقوله * (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل) * (هود: 114) وقوله * (ومن آناء الليل) * إشارة إلى المغرب والعشاء، وهو كقوله * (وزلفا من الليل) * وكما احتجوا بقوله * (وزلفا من الليل) * فكذلك احتجوا عليه بقوله * (ومن آناء الليل) * لأن قوله آناء الليل جمع وأقله ثلاثة، فهذا مجموع الآيات الدالة على الأوقات الخمسة للصلوات الخمس.
واعلم أن تقدير الصلوات بهذه الأوقات الخمسة في نهاية الحسن والجمال نظرا إلى المعقول، وبيانه أن لكل شيء من أحوال هذا العالم مراتب خمسة: أولها: مرتبة الحدوث والدخول في الوجود، وهو كما يولد الإنسان ويبقى في النشو والنماء إلى مدة معلومة، وهذه المدة تسمى سن