الزانية، وقد ثبت أنه غير محرم، أما لو حملنا المحصنات على الحرائر يلزم تحريم نكاح الأمة ونحن نقول به على بعض التقديرات، ورابعها: أنا بينا أن اشتقاق الاحصان من التحصن، ووصف التحصن في حق الحرة أكثر ثبوتا منه في حق الأمة لما بينا أن الأمة وإن كانت عفيفة إلا أنها لا تخلو من الخروج والبروز والمخالطة مع الناس بخلاف الحرة، فثبت أن تفسير المحصنات بالحرائر أولى من تفسيرها بغيرها. ثم قال تعالى: * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) * وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: ذهب أكثر الفقهاء إلى أنه يحل التزوج بالذمية من اليهود والنصارى وتمسكوا فيه بهذه الآية، وكان ابن عمر رضي الله عنهما لا يرى ذلك ويحتج بقوله * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * (البقرة: 221) ويقول: لا أعلم شركا أعظم من قولها: إن ربها عيسى، ومن قال بهذا القول أجابوا عن التمسك بقوله تعالى: * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) * بوجوه: الأول: أن المراد الذين آمنوا منهم، فإنه كان يحتمل أن يخطر ببال بعضهم أن اليهودية إذا آمنت فهل يجوز للمسلم أن يتزوج بها أم لا؟ فبين تعالى بهذه الآية جواز ذلك، والثاني: روي عن عطاء أنه قال: إنما رخص الله تعالى في الزوج بالكتابية في ذلك الوقت لأنه كان في المسلمات قلة، وأما الآن ففيهن الكثرة العظيمة، فزالت الحاجة فلا جرم زالت الرخصة، والثالث: الآيات الدالة على وجوب المباعدة عن الكفار، كقوله * (لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) * (الممتحنة: 1) وقوله * (لا تتخذوا بطانة من دونكم) * (آل عمران: 118) ولأن عند حصول الزوجية ربما قويت المحبة ويصير ذلك سببا لميل الزوج إلى دينها، وعند حدوث الولد فربما مال الولد إلى دينها، وكل ذلك إلقاء للنفس في الضرر من غير حاجة. الرابع: قوله تعالى في خاتمة هذه الآية * (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين) * وهذا من أعظم الكافرات عن التزوج بالكافرة، فلو كان المراد بقوله تعالى: * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) * إباحة التزوج بالكتابية لكان ذكر هذه الآية عقيبها كالتناقض وهو غير جائز.
المسألة الثانية: إن قلنا: المراد بالمحصنات: الحرائر، لم تدخل الأمة الكتابية تحت الآية، وإن قلنا: المراد بالمحصنات: العفائف دخلت، وعلى هذا البحث وقع الخلاف بين الشافعي وأبي حنيفة فعند الشافعي لا يجوز التزوج بالأمة الكتابية. قال: لأنه اجتمع في حقها نوعان من النقصان: الكفر والرق، وعند أبي حنيفة رحمه الله يجوز، وتمسك بهذه الآية بناء على أن المراد بالمحصنات العفائف وقد سبق الكلام فيه.