قوله * (فكلوا مما أمسكن عليكم) *. الثاني: أن يقال إن قوله * (وما علمتم من الجوارح مكلبين) * ابتداء كلام، وخبره هو قوله * (فكلوا مما أمسكن عليكم) * وعلى هذا التقدير يصح الكلام من غير حذف وإضمار. المسألة الثانية: في الجوارح قولان: أحدهما: أنها الكواسب من الطير والسباع، واحدها جارحة، سميت جوارح لأنها كواسب من جرح واجترح إذا اكتسب، قال تعالى: * (الذين اجترحوا السيئات) * (الجاثية: 21) أي اكتسبوا، وقال * (ويعلم ما جرحتم بالنهار) * (الأنعام: 60) أي ما كسبتم. والثاني: أن الجوارح هي التي تجرح، وقالوا: أن ما أخذ من الصيد فلم يسل منه دم لم يحل. المسألة الثالثة: نقل عن ابن عمر والضحاك والسدي، أن ما صاده غير الكلاب فلم يدرك ذكاته لم يجز أكله، وتمسكوا بقوله تعالى: * (مكلبين * (قالوا: لأن التخصيص يذل على كون هذا الحكم مخصوصا به، وزعم الجمهور أن قوله * (وما علمتم من الجوارح) * يدخل فيه كل ما يمكن الاصطياد به، كالفهد والسباع من الطير: مثل الشاهين والباشق والعقاب ، قال الليث: سئل مجاهد عن الصقر والبازي والعقاب والفهد وما يصطاد به من السباع، فقال: هذه كلها جوارح. وأجابوا عن التمسك بقوله تعالى: * (مكلبين) * من وجوه: الأول: أن المكلب هو مؤدب الجوارح ومعلمها أن تصطاد لصاحبها، وإنما اشتق هذا الاسم من الكلب لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب، فاشتق منه هذا اللفظ لكثرته في جنسه. الثاني: أن كل سبع فإنه يسمى كلبا، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: " اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فأكله الأسد ". الثالث: أنه مأخوذ من الكلب الذي هو بمعنى الضراوة، يقال فلان: كلب بكذا إذا كان حريصا عليه. والرابع: هب أن المذكور في هذه الآية إباحة الصيد بالكلب، لكن تخصيصه بالذكر لا ينفي حل غيره، بدليل أن الاصطياد بالرمي ووضع الشبكة جائز، وهو غير مذكور في الآية والله أعلم. المسألة الرابعة: دلت الآية على أن الاصطياد بالجوارح إنما يحل إذا كانت الجوارح معلمة، لأنه تعالى قال: * (وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله) * وقال صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم: " إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل "، قال الشافعي رحمه الله: والكلب لا يصير معلما إلا عند أمور، وهي إذا أرسل استرسل، وإذا أخذ حبس ولا يأكل، وإذا دعاه أجابه، وإذا أراده لم يفر منه، فإذا فعل ذلك مرات فهو معلم، ولم يذكر رحمه الله فيه حدا معينا، بل قال: أنه متى غلب على الظن أنه تعلم حكم به قال لأن الاسم إذا لم يكن معلوما من النص أو الاجماع وجب الرجوع فيه إلى العرف، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله في أظهر الروايات. وقال
(١٤٣)