أنه متى عدم لا تصح إلا بالتيمم، ولو لم يكن شرطا لما صح ذلك. الثاني: أنه تعالى إنما أمر بالصلاة مع الوضوء، فالآتي بالصلاة بدون الوضوء تارك للمأمور به، وتارك المأمور به يستحق العقاب، ولا معنى للبقاء في عهدة التكليف إلا ذلك، فإذا ثبت هذا ظهر كون الوضوء شرطا لصحة الصلاة بمقتضى هذه الآية. المسألة الخامسة: قال الشافعي رحمه الله: النية شرط لصحة الوضوء والغسل. وقال أبو حنيفة رحمه الله: ليس كذلك. وأعلم أن كل واحد منهما يستدل لذلك بظاهر هذه الآية. أما الشافعي رحمه الله فإنه قال: الوضوء مأمور به، وكل مأمور به يجب أن يكون منويا فالوضوء يجب أن يكون منويا، وإذا ثبت هذا وجب أن يكون شرطا لأنه لا قائل بالفرق، وإنما قلنا: إن الوضوء مأمور به لقوله * (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) * (المائدة: 6) ولا شك أن قوله * (فاغسلوا) * * (وامسحوا) * أمر، وإنما قلنا: إن كل مأمور به أن يكون منويا لقوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * (البينة: 5) واللام في قوله * (ليعبدوا) * ظاهر للتعليل، لكن تعليل أحكام الله تعالى محال، فوجب حمله على الباء لما عرف من جواز إقامة حروف الجر بعضها مقام بعض، فيصير التقدير: وما أمروا إلا بأن يعبدوا الله مخلصين له الدين، والإخلاص عبارة عن النية الخالصة، ومتى كانت النية الخالصة معتبرة كان أصل النية معتبرا. وقد حققنا الكلام في هذا الدليل في تفسير قوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * فليرجع إليه في طلب زيادة الاتقان، فثبت بما ذكرنا أن كل وضوء مأمور به، وثبت أن كل مأمور به يجب أن يكون منويا مخصوص في بعض الصور، لكنا إنما أثبتنا هده المقدمة بعموم النص، والعام حجة في غير محل التخصيص. وأما أبو حنيفة رحمه الله فإنه احتج بهذه الآية على أن النية ليست شرطا لصحة الوضوء، فقال: إنه تعالى أوجب غسل الأعضاء الأربعة في هذه الآية ولم يوجب النية فيها، فإيجاب النية زيادة على النص، والزيادة على النص نسخ، ونسخ القرآن بخبر الواحد وبالقياس لا يجوز. وجوابنا: إنا بينا أنه إنما أوجبنا النية في الوضوء بدلالة القرآن.
المسألة السادسة: قال الشافعي رحمه الله: الترتيب شرط لصحة الوضوء، وقال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله: ليس كذلك، احتج الشافعي رحمه الله بهذه الآية على قوله من وجوه: