الحسن البصري رحمه الله: يصير معلما بمرة واحدة، وعن أبي حنيفة رحمه الله في رواية أخرى أنه يصير معلما بتكرير ذلك مرتين، وهو قول أحمد رحمه الله، وعن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: أنه يصير معلما بثلاث مرات.
المسألة الخامسة: الكلاب والمكلب هو الذي يعلم الكلاب الصيد، فمكلب صاحب التكليب كمعلم صاحب التعليم، ومؤدب صاحب التأديب. قال صاحب " الكشاف " وقرئ مكلبين بالتخفيف، وأفعل وفعل يشتركان كثيرا. المسألة السادسة: انتصاب مكلبين على الحال من * (علمتم) *. فإن قيل: ما فائدة هذه الحال وقد استغنى عنها بعلمتم؟ قلنا: فائدتها أن يكون من يعلم الجوارح نحريرا في علمه مدربا فيه موصوفا بالتكليب * (وتعلمونهن) * حال ثانية أو استئناف، والمقصود منه المبالغة في اشتراط التعليم. ثم قال تعالى: * (فكلوا مما أمسكن عليكم) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: اعمل أنه إذا كان الكلب معلما ثم صاد صيدا وجرحه وقتله وأدركه الصائد ميتا فهو حلال، وجرح الجارحة كالذبح، وكذا الحكم في سائر الجوارح المعلمة. وكذا في السهم والرمح، أما إذا صاده الكلب فجثم عليه وقتله بالفم من غير جرح فقال بعضهم: لا يجوز أكله لأنه ميتة. وقال آخرون: يحل لدخوله تحت قوله * (فكلوا مما أمسكن عليكم) * وهذا كله إذا لم يأكل، فإن أكل منه فقد اختلف فيه العلماء، فعند ابن عباس وطاوس والشعبي وعطاء والسدي أنه لا يحل، وهو أظهر أقوال الشافعي، قالوا: لأنه أمسك الصيد على نفسه، والآية دلت على أنه إنما يحل إذا أمسكه على صاحبه، ويدل عليه أيضا ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعدي ابن حاتم: " إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله فإن أدركته ولم يقتل فاذبح واذكر اسم الله عليه، وإن أدركته وقد قتل ولم يأكل فكل فقد أمسك عليك، وإن وجدته قد أكل فلا تطعم منه شيئا فإنما أمسك على نفسه) * وقال سلمان الفارسي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم: إنه يحل وإن أكل، وهو القول الثاني للشافعي رحمه الله. واختلفوا في البازي إذا أكل، فقال قائلون: إنه لا فرق بينه وبين الكلب، فإن أكل شيئا من الصيد لم يؤكل ذلك الصيد وهو مروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقال سعيد بن جبير وأبو حنيفة والمزني: يؤكل ما بقي من جوارح الطير ولا يؤكل ما بقي من الكلب، الفرق أنه يمكن أن يؤدب الكلب على الأكل بالضرب، ولا يمكن أن يؤدب البازي على الأكل.
المسألة الثانية: * (من) * في قوله * (مما أمسكن) * فيه وجهان: الأول: أنه صلة زائدة كقوله