الأخ المال كله، فأتت المرأة وقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد، وإن سعدا قتل وان عمهما أخذ مالهما، فقال عليه الصلاة والسلام: " ارجعي فلعل الله سيقضي فيه " ثم إنها عادت بعد مدة وبكت فنزلت هذه الآية، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمهما وقال: " أعط ابنتي سعد الثلثين، وأمهما الثمن وما بقي فهو لك، فهذا أول ميراث قسم في الاسلام.
المسألة الثالثة: في تعلق هذه الآية بما قبلها وجهان: الأول: أنه تعالى لما بين الحكم في مال الأيتام، وما على الأولياء فيه، بين كيف يملك هذا اليتيم المال بالإرث، ولم يكن ذلك إلا ببيان جملة أحكام الميراث، الثاني: أنه تعالى أثبت حكم الميراث بالاجمال في قوله: * (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون) * (النساء: 7) فذكر عقيب ذلك المجمل، هذا المفصل فقال: * (يوصيكم الله في أولادكم) *.
المسألة الرابعة: قال القفال: قوله: * (يوصيكم الله في أولادكم) * أي يقول الله لكم قولا يوصلكم إلى إيفاء حقوق أولادكم بعد موتكم، وأصل الايصاء هو الايصال يقال: وصى يصي إذا وصل، وأوصى يوصي إذا أوصل، فإذا قيل: أوصاني فمعناه أوصلني إلى علم ما أحتاج إلى علمه، وكذلك وصى وهو على المبالغة قال الزجاج: معنى قوله ههنا: * (يوصيكم) * أي يفرض عليكم، لأن الوصية من الله إيجاب والدليل عليه قوله: * (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به) * ولا شك في كون ذلك واجبا علينا.
فان قيل: انه لا يقال في اللغة أوصيك لكذا فكيف قال ههنا: * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) *.
قلنا: لما كانت الوصية قولا، لا جرم ذكر بعد قوله: * (يوصيكم الله) * خبرا مستأنفا وقال: * (للذكر مثل حظ الأنثيين) * ونظيره قوله تعالى: * (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) * (الفتح: 29) أي قال الله: لهم مغفرة لأن الوعد قول. المسألة الخامسة: اعلم أنه تعالى بدأ بذكر ميراث الأولاد وإنما فعل ذلك لأن تعلق الانسان بولده أشد التعلقات، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: " فاطمة بضعة مني " فلهذا السبب قدم الله ذكر ميراثهم.
واعلم أن للأولاد حال انفراد، وحال اجتماع مع الوالدين: أما حال الانفراد فثلاثة، وذلك لأن الميت إما أن يخلف الذكور والإناث معا، وإما أن يخلف الإناث فقط، أو الذكور فقط.
القسم الأول: ما إذا خلف الذكران والإناث معا، وقد بين الله الحكم فيه بقوله: * (للذكر مثل حظ الأنثيين) *.