كان المراد أن الفروج لا تستباح إلا بعوض يلزم سواء سمي ذلك أو لم يسم، إلا ما خص به الرسول صلى الله عليه وسلم في الموهوبة، ثم قال رحمه الله: ويجوز أن يكون الكلام جامعا للوجهين معا والله أعلم.
المسألة الثالثة: قال صاحب " الكشاف ": * (صدقاتهن) * مهورهن، وفي حديث شريح: قضى ابن عباس لها بالصدقة وقرأ * (صدقاتهن) * بفتح الصاد وسكون الدال على تخفيف صدقاتهن و * (صدقاتهن) * بضم الصاد وسكون الدال جمع صدقة، وقرئ * (صدقتهن) * بضم الصاد والدل على التوحيد وهو مثقل صدقة كقوله في ظلمة: ظلمة، قال الواحدي: موضوع صدق على هذا الترتيب للكمال والصحة، فسمي المهر صداقا وصدقة لأن عقد النكاح به يتم ويكمل. المسألة الرابعة: في تفسير النحلة وجوه: الأول: قال ابن عباس وقتادة وابن جريج وابن زيد: فريضة، وإنما فسروا النحلة بالفريضة، لأن النحلة في اللغة معناها الديانة والملة والشرعة والمذهب، يقال: فلان ينتحل كذا إذا كان يتدين به، ونحلته كذا أي دينه ومذهبه، فقوله: * (آتوا النساء صدقاتهن نحلة) * أي آتوهن مهورهن، فإنها نحلة أي شريعة ودين ومذهب وما هو دين ومذهب فهو فريضة. الثاني: قال الكلبي: نحلة أي عطية وهبة، يقال: نحلت فلانا شيئا أنحله نحلة ونحلا، قال القفال: وأصله إضافة الشيء إلى غير من هوله، يقال: هذا شعر منحول، أي مضاف إلى غير قائله، وانتحلت كذا إذا ادعيته وأضفته إلى نفسك، وعلى هذا القول فالمهر عطية ممن؟ فيه احتمالان: أحدهما: أنه عطية من الزوج، وذلك لأن الزوج لا يملك بدله شيئا لأن البضع في ملك المرأة بعد النكاح كهو قبله، فالزوج أعطاها المهر ولم يأخذ منها عوضا يملكه، فكان في معنى النحلة التي ليس بإزائها بدل، وإنما الذي يستحقه الزوج منها بعقد النكاح هو الاستباحة لا الملك، وقال آخرون إن الله تعالى جعل منافع النكاح من قضاء الشهوة والتوالد مشتركا بين الزوجين، ثم أمر الزوج بأن يؤتي الزوجة المهر فكان ذلك عطية من الله ابتداء.
والقول الثالث: في تفسير النحلة قال أبو عبيدة: معنى قوله * (نحلة) * أي عن طيب نفس، وذلك لأن النحلة في اللغة العطية من غير أخذ عوض، كما ينحل الرجل لولده شيئا من ماله، وما أعطى من غير طلب عوض لا يكون إلا عن طيب النفس، فأمر الله باعطاء مهور النساء من غير مطالبة منهن ولا مخاصمة، لأن ما يؤخذ بالمحاكمة لا يقال له نحلة.
المسألة الخامسة: إن حملنا النحلة على الديانة ففي انتصابها وجهان: أحدهما: أن يكون مفعولا له، والمعنى آتوهن مهورهن ديانة. والثاني: أن يكون حالا من الصدقات أي دينا من الله شرعه وفرضه، وأما إن حملنا النحلة على العطية ففي انتصابها أيضا وجهان: أحدهما: أنه نصب