عنده الأيتام، فإذا أنفق مال نفسه على النسوة ولم يبق له مال وصار محتاجا، أخذ في إنفاق أموال اليتامى عليهن فقال تعالى: * (وإن خفتم أن لا تقسطوا في أموال اليتامى) * عند كثرة الزوجات فقد حظرت عليكم أن لا تنكحوا أكثر من أربع كي يزول هذا الخوف، فان خفتم في الأربع أيضا فواحدة، فذكر الطرف الزائد وهو الأربع، والناقص وهو الواحدة، ونبه بذلك على ما بينهما، فكأنه تعالى قال: فان خفتم من الأربع فثلاث، فان خفتم فاثنتان، فان خفتم فواحدة، وهذا القول أقرب، فكأنه تعالى خوف من الاكثار من النكاح بما عساه يقع من الولي من التعدي في مال اليتيم للحاجة إلى الانفاق الكثير عند التزوج بالعدد الكثير.
أما قوله تعالى: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا) *.
ففيه مسائل: المسألة الأولى: قال أصحاب الظاهر: النكاح واجب وتمسكوا بهذه الآية، وذلك لأن قوله * (فانكحوا) * أمر، وظاهر الأمر للوجوب، وتمسك الشافعي في بيان انه ليس بواجب بقوله تعالى: * (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فممن ما ملكت إيمانكم) * (النساء: 25) إلى قوله: * (ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم) * فحكم تعالى بأن ترك النكاح في هذه الصورة خير من فعله، وذلك يدل على أنه ليس بمندوب، فضلا عن أن يقال إنه واجب.
المسألة الثانية: إنما قال: * (ما طاب) * ولم يقل: من طاب لوجوه: أحدها: أنه أراد به الجنس تقول: ما عندك؟ فيقول رجل أو امرأة، والمعنى ما ذلك الشيء الذي عندك، وما تلك الحقيقة التي عندك، وثانيها: أن (ما) مع ما بعده في تقدير المصدر، وتقديره: فانكحوا الطيب من النساء، وثالثها: ان " ما " و " من " ربما يتعاقبان. قال تعالى: * (والسماء وما بناها) * (الشمس: 5) وقال: * (ولا أنتم عابدون ما أعبد) * (الكافرون: 2) وحكى أبو عمرو بن العلاء: سبحان ما سبح له الرعد، وقال: * (فمنهم من يمشي على بطنه) * (النور: 45) ورابعها: إنما ذكر " ما " تنزيلا للإناث منزلة غير العقلاء. ومنه: قوله: * (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) * (المعارج: 30).