الثاني: أنه أمر بالتقوى في الأول لمكان الانعام بالخلق وغيره، وفي الثاني أمر بالتقوى لمكان وقوع التساؤل به فيما يلتمس البعض من البعض. الثالث: قال أولا: * (اتقوا ربكم) * وقال ثانيا: * (واتقوا الله) * والرب لفظ يدل على التربية والاحسان، والإله لفظ يدل على القهر والهيبة، فأمرهم بالتقوى بناء على الترغيب، ثم أعاد الأمر به بناء على الترهيب كما قال: * (يدعون ربهم خوفا وطمعا) * (السجدة: 16) وقال: * (ويدعوننا رغبا ورهبا) * (الأنبياء: 90) كأنه قيل: انه رباك وأحسن إليك فاتق مخالفته لأنه شديد العقاب عظيم السطوة.
المسألة الرابعة: اعلم أن التساؤل بالله وبالأرحام قيل هو مثل أن يقال: بالله أسألك، وبالله أشفع إليك، وبالله أحلف عليك، إلى غير ذلك مما يؤكد المرء به مراده بمسألة الغير، ويستعطف ذلك الغير في التماس حقه منه أو نواله ومعونته ونصرته، وأما قراءة حمزة فهي ظاهرة من حيث المعنى، والتقدير: واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، لأن العادة جرت في العرب بأن أحدهم قد يستعطف غيره بالرحم فيقول: أسألك بالله والرحم، وربما أفرد ذلك فقال: أسألك بالرحم، وكان يكتب المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: نناشدك الله والرحم أن لا تبعث إلينا فلانا وفلانا، وأما القراءة بالنصب فالمعنى يرجع إلى ذلك، والتقدير: واتقوا الله واتقوا الأرحام، قال القاضي: وهذا أحد ما يدل على أنه قد يراد باللفظ الواحد المعاني المختلفة، لأن معنى تقوى الله مخالف لمعنى تقوى الأرحام، فتقوى الله إنما يكون بالتزام طاعته واجتناب معاصيه، واتقاء الأرحام بأن توصل ولا تقطع فيما يتصل بالبر والافضال والاحسان، ويمكن أن يجاب عنه بأنه تعالى لعله تكلم بهذه اللفظة مرتين، وعلى هذا التقدير يزول الاشكال.
المسألة الخامسة: قال بعضهم: اسم الرحم مشتق من الرحمة التي هي النعمة، واحتج بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يقول الله تعالى أنا الرحمن وهي الرحم اشتققت اسمها من اسمي " ووجه التشبيه ان لمكان هذه الحالة تقع الرحمة من بعض الناس لبعض. وقال آخرون: بل اسم الرحم مشتق من الرحم الذي عنده يقع الانعام وانه الأصل، وقال بعضهم: بل كل واحد منهما أصل بنفسه، والنزاع في مثل هذا قريب.
المسألة السادسة: دلت الآية على جواز المسألة بالله تعالى. روى مجاهد عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سألكم بالله فأعطوه " وعن البراء بن عازب قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع: منها أبرار القسم.
المسألة السابعة: دل قوله تعالى: * (والأرحام) * على تعظيم حق الرحم وتأكيد النهي عن قطعها، قال