للأول وحسنت اعادته لطول الكلام، كقولك: لا تظن زيدا إذا جاءك وكلمك في كذا وكذا فلا تظنه صادقا، وأما القراءة الثانية وهي بالياء المنقطة من تحت في قوله: * (لا يحسبن) * ففيها أيضا وجهان: الأول: بفتح الباء وبضمها فيهما جعل الفعل للرسول صلى الله عليه وسلم والباقي كما علمت.
والوجه الثاني: بفتح الباء في الأول وضمها في الثاني وهو قراءة أبي عمرو، ووجهه أنه جعل الفعل للذين يفرحون ولم يذكر واحدا من مفعوليه، ثم أعاد قوله: * ( فلا تحسبن) * بضم الباء وقوله: * (هم) * رفع باسناد الفعل إليه، والمفعول الأول محذوف والتقدير: ولا تحسبن هؤلاء الذين يفرحون أنفسهم بمفازة من العذاب.
المسألة الثانية: اعلم أنه تعالى وصف هؤلاء القوم بأنهم يفرحون بفعلهم ويحبون أيضا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، والمفسرون ذكروا فيه وجوها: الأول: أن هؤلاء اليهود يحرفون نصوص التوراة ويفسرونها بتفسيرات باطلة ويروجونها على الأغمار من الناس، ويفرحون بهذا الصنع ثم يحبون أن يحمدوا بأنهم أهل الدين والديانة والعفاف والصدق والبعد عن الكذب، وهو قول ابن عباس، وأنت إذا أنصفت عرفت أن أحوال أكثر الخلق كذلك، فإنهم يأتون بجميع وجوه الحيل في تحصيل الدنيا ويفرحون بوجدان مطلوبهم، ثم يحبون أن يحمدوا بأنهم أهل العفاف والصدق والدين والثاني: روي أنه عليه الصلاة والسلام سأل اليهود عن شيء مما في التوراة فكتموا الحق وأخبروا بخلافه، وأروه أنهم قد صدقوه وفرحوا بذلك التلبيس، وطلبوا من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يثني عليهم بذلك، فأطلع رسول الله على هذا السر. والمعنى أن هؤلاء اليهود فرحوا بما فعلوا من التلبيس وتوقعوا منك أن تثني عليهم بالصدق والوفاء. والثالث: يفرحون بما فعلوا من كتمان النصوص الدالة على مبعث محمد صلى الله عليه وسلم، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا من اتباع دين إبراهيم، حيث ادعوا أن إبراهيم عليه السلام كان على اليهودية وأنهم على دينه. الرابع: أنه نزل في المنافقين فإنهم يفرحون بما أتوا من إظهار الايمان للمسلمين على سبيل النفاق من حيث أنهم كانوا يتوصلون بذلك إلى تحصيل مصالحهم في الدنيا، ثم كانوا يتوقعون من النبي عليه الصلاة والسلام أن يحمدهم على الايمان الذي ما كان موجودا في قلوبهم. الخامس: قال أبو سعيد الخدري نزلت في رجال من المنافقين كانوا يتخلفون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزو، ويفرحون بقعودهم عنه فإذا قدم اعتذروا إليه فيقبل عذرهم، ثم طمعوا أن يثني عليهم كما كان يثني عن المسلمين المجاهدين. السادس: المراد منه كتمانهم ما في التوراة من أخذ الميثاق عليهم بالاعتراف بمحمد صلى