المسألة الأولى: القنوت: أصله الدوام، ثم يستعمل على أربعة أوجه: الطاعة، كقوله تعالى: * (يا مريم اقنتي لربك) * (آل عمران: 43) وطول القيام، كقوله عليه السلام لما سئل: أي الصلاة أفضل؟ قال: " طول القنوت " وبمعنى السكوت، كما قال زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزل قوله تعالى: * (وقوموا لله قانتين) * (البقرة: 238) فأمسكنا عن الكلام، ويكون بمعنى الدوام، إذا عرفت هذا فنقول: قال بعض المفسرين: * (كل له قانتون) * أي كل ما في السماوات والأرض قانتون مطيعون، والتنوين في كل عوض عن المضاف إليه وهو قول مجاهد وابن عباس، فقيل لهؤلاء الكفار: ليسوا مطيعين، فعند هذا قال آخرون: المعنى أنهم يطيعون يوم القيامة، وهو قول السدي، فقيل لهؤلاء: هذه صفة المكلفين، وقوله: * (له ما في السماوات) * يتناول من لا يكون مكلفا فعند هذا فسروا القنوت بوجوه أخر. الأول: بكونها شاهدة على وجود الخالق سبحانه بما فيها من آثار الصنعة وأمارات الحدوث والدلالة على الربوبية. الثاني: كون جميعها في ملكه وقهره يتصرف فيها كيف يشاء، وهو قول أبي مسلم، وعلى هذين الوجهين الآية عامة. الثالث: أراد به الملائكة وعزيزا والمسيح، أي كل من هؤلاء الذين حكموا عليهم بالولد أنهم قانتون له، يحكى عن علي بن أبي طالب قال لبعض النصارى: لولا تمرد عيسى عن عبادة الله لصرت على دينه، فقال النصراني: كيف يجوز أن ينسب ذلك إلى عيسى مع جده في طاعة الله، فقال علي رضي الله عنه: فإن كان عيسى إلها فالإله كيف يعبد غيره إنما العبد هو الذي يليق به العبادة، فانقطع النصراني.
المسألة الثانية: لما كان القنوت في أصل اللغة عبارة عن الدوام كان معنى الآية أن دوام الممكنات وبقاءها به سبحانه ولأجله وهذا يقتضي أن العالم حال بقائه واستمراره محتاج إليه سبحانه وتعالى، فثبت أن الممكن يقتضي أن لا تنقطع حاجته عن المؤثر لا حال حدوثه ولا حال بقائه.
المسألة الثالثة: يقال كيف جاء بما الذي لغير أولى العلم مع قوله: * (قانتون) * جوابه: كأنه جاء بما دون من تحقيرا لشأنهم.
أما قوله تعالى: * (بديع السماوات والأرض) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: البديع والمبدع بمعنى واحد. قال القفال: وهو مثل أليم بمعنى مؤلم وحكيم بمعنى محكم، غير أن في بديع مبالغة للعدول فيه وأنه يدل على استحقاق الصفة في غير حال الفعل على تقدير أن من شأنه الإبداع فهو في ذلك بمنزلة: سامع وسميع وقد يجيء بديع بمعنى مبدع، والإبداع الإنشاء ونقيض الإبداع الاختراع على مثال ولهذا السبب فإن الناس يسمون من قال أو عمل ما لم يكن قبله مبتدعا. المسألة الثانية: اعلم أن هذا من تمام الكلام الأول، لأنه تعالى قال: * (بل له ما في السماوات