فلا بد فيها من الواحد، فتلك الآحاد إن كانت واجبة لذواتها كانت مركبة على ما ثبت، فالبسيط مركب هذا خلف، وإن كانت ممكنة كان المركب المفتقر إليها أولى بالإمكان، فثبت بهذا البرهان أن كل ما عدا الموجود الواجب ممكن لذاته، وكل ممكن لذاته فهو محتاج إلى المؤثر، وتأثير ذلك المؤثر فيه إما أن يكون حال عدمه أو حال وجوده، فإن كان الأول فذلك الممكن محدث، وإن كان الثاني فاحتياج ذلك الموجود إلى المؤثر، إما أن يكون حال بقائه أو حال حدوثه، والأول محال لأنه يقتضي إيجاد الوجود فتعين الثاني وذلك يقتضي كون ذلك الممكن محدثا فثبت أن كل ما سوى الله محدث مسبوق بالعدم وأن وجوده إنما حصل بخلق الله تعالى وإيجاده وإبداعه، فثبت أن كل ما سواه فهو عبده وملكه فيستحل أن يكون شيء مما سواه ولدا له، وهذا البرهان إنما استفدناه من قوله: * (بل له ما في السماوات والأرض) * أي له كل ما سواه على سبيل الملك والخلق والإيجاد والإبداع. والثاني: أن هذا الذي أضيف إليه بأنه ولده إما أن يكون قديما أزليا أو محدثا، فإن كان أزليا لم يكن حكمنا بجعل أحدهما ولدا والآخر والدا أولى من العكس، فيكون ذلك الحكم حكما مجردا من غير دليل وإن كان الولد حادثا كان مخلوقا لذلك القديم وعبدا له فلا يكون ولدا له. والثالث: أن الولد لا بد وأن يكون من جنس الوالد، فلو فرضنا له ولدا لكان مشاركا له من بعض الوجوه، وممتازا عنه من وجه آخر، وذلك يقتضي كون كل واحد منهما مركبا ومحدثا وذلك محال، فإذن المجانسة ممتنعة فالولدية ممتنعة. الرابع: أن الولد إنما يتخذ للحاجة إليه في الكبر ورجاء الانتفاع بمعونته حال عجز الأب عن أمور نفسه، فعلى هذا إيجاد الولد إنما يصح على من يصح عليه الفقر والعجز والحاجة، فإذا كان كل ذلك محال كان إيجاد الولد عليه سبحانه وتعالى محالا، واعلم أنه تعالى حكى في مواضع كثيرة عن هؤلاء الذين يضيفون إليه الأولاد قولهم، واحتج عليهم بهذه الحجة وهي أن كل من في السماوات والأرض عبد له، وبأنه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون، وقال في مريم: * (ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون * ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) * (مريم: 34، 35) وقال أيضا في آخر هذه السورة: * (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا * لقد جئتم شيئا إدا * تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا * أن دعوا للرحمن ولدا * وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا * إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا) * (مريم: 88 - 93) فإن قيل: ما الحكمة في أنه تعالى استدل في هذه الآية بكونه مالكا لما في السماوات والأرض، وفي سورة مريم بكونه مالكا لمن في السماوات والأرض على ما قال: * (إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا) * قلنا: قوله تعالى في هذه السورة: * (بل له ما في السماوات والأرض) * أتم، لأن كلمة (ما) تتناول جميع الأشياء، وأما قوله تعالى: * (كل له قانتون) * (الروم: 26) ففيه مسائل:
(٢٦)