محدثا لأنه دخل عليه حرف * (إذا) * وقوله * (كن) * مرتب على القضاء بفاء التعقيب لأنه تعالى قال: * (فإنما يقول له كن) * والمتأخر عن المحدث محدث، فاستحال أن يكون: * (كن) * قديما. الثالث: أنه تعالى رتب تكون المخلوق على قوله: * (كن) * بفاء التعقيب فيكون قوله: * (كن) * مقدما على تكون المخلوق بزمان واحد والمتقدم على المحدث بزمان واحد لا بد وأن يكون محدثا فقوله: * (كن) * لا يجوز أن يكون قديما، ولا جائز أيضا أن يكون قوله: * (كن) * محدثا لأنه لو افتقر كل محدث إلى قوله: * (كن) * وقوله: * (كن) * أيضا محدث فيلزم افتقار: * (كن) * آخر ويلزم إما التسلسل وإما الدور وهما محالان، فثبت بهذا الدليل أنه لا يجوز توقف إحداث الحوادث على قوله: * (كن) *.
الحجة الثانية: أنه تعالى إما أن يخاطب المخلوق بكن قبل دخوله في الوجود أو حال دخوله في الوجود، والأول: باطل لأن خطاب المعدوم حال عدمه سفه، والثاني: أيضا باطل لأنه يرجع حاصله إلى أنه تعالى أمر الموجود بأن يصير موجودا وذلك أيضا لا فائدة فيه.
الحجة الثالثة: أن المخلوق قد يكون جمادا، وتكليف الجماد عبث ولا يليق بالحكيم.
الحجة الرابعة: أن القادر هو الذي يصح منه الفعل وتركه بحسب الإرادات، فإذا فرضنا القادر المريد منفكا عن قوله: * (كن) * فإما أن يتمكن من الإيجاد والأحداث أو لا يتمكن، فإن تمكن لم يكن الإيجاد موقوفا على قوله: * (كن) * وإن لم يتمكن فحينئذ يلزم أن لا يكون القادر قادرا على الفعل إلا عند تكلمه بكن فيرجع حاصل الأمر إلى أنكم سمعتم القدرة بكن وذلك نزاع في اللفظ.
الحجة الخامسة: أن * (كن) * لو كان له أثر في التكوين لكنا إذا تكلمنا بهذه الكلمة وجب أن يكون لها ذلك التأثير، ولما علمنا بالضرورة فساد ذلك علمنا أنه لا تأثير لهذه الكلمة.
الحجة السادسة: أن * (كن) * كلمة مركبة من الكاف والنون، بشرط كون الكاف متقدما على النون، فالمؤثر إما أن يكون هو أحد هذين الحرفين أو مجموعهما، فإن كان الأول لم يكن لكلمة * (كن) * أثر البتة، بل التأثير لأحد هذين الحرفين، وإن كان الثاني فهو محال، لأنه لا وجود لهذا المجموع البتة لأنه حين حصل الحرف الأول لم يكن الثاني حاصلا، وحين جاء الثاني فقد فات الأول، وإن لم يكن للمجموع وجود البتة استحال أن يكون للمجموع أثر البتة.
الحجة السابعة: قوله تعالى: * (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) * (آل عمران: 59) بين أن قوله: * (كن) * متأخر عن خلقه إذ المتأخر عن الشيء لا يكون مؤثرا في المتقدم عليه، فعلمنا أنه لا تأثير لقوله: * (كن) * في وجود الشيء فظهر بهذه الوجوه فساد هذا المذهب، وإذا ثبت هذا فنقول لا بد من التأويل وهو من وجوه:
الأول: وهو الأقوى أن المراد من