العقول أن يكون مدار هذه الأجرام المستعظمة، والحركات الدائمة، على العبث والسفه، فلم يبق في العقول قسم هو الأليق بالذهاب إليه إلا أن مدبرا قاهرا غالبا على الدهر والزمان يحركها لأسرار مخفية، ولحكم لطيفة هو المستأثر بها، والمطلع عليها، وليس عندنا إلا الإيمان بها على الإجمال على ما قال: * (ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا) * (آل عمران: 191).
والحادي عشر: أنا نراها مختلفة في الألوان، مثل صفرة عطارد، وبياض الزهرة وضوء الشمس وحمرة المريخ ودرية المشتري، وكمودة زحل واختلاف كل واحد من الكواكب الثابتة بعظم خاص ولون خاص وتركيب خاص، ونراها أيضا مختلفة بالسعادة والنحوسة، ونرى أعلى الكواكب السيارة أنحسها ونرى ما دونها أسعدها، ونرى سلطان الكواكب سعيدا في بعض الاتصالات تحسسا في بعض ونراها مختلفة في الوجوه والخدود واللثات والذكورة والأنوثة وكون بعضها نهاريا وليليا وسائرا وراجعا ومستقيما وصاعدا وهابطا مع اشتراكها بأسرها في الشفافية والصفاء والنقاء في الجوهر فيقضي العقل بأن اختصاص كل واحد منها بما اختص به لا بد وأن يكون بتخصيص مخصص.
والثاني عشر: وهو أن هذه الكواكب وكان لها تأثير في هذا العالم فهي إما أن تكون متدافعة أو متعاونة، أو لا متدافعة ولا متعاونة، فإن كانت متدافعة فإما أن يكون بعضها أقوى من بعض أو تكون متساوية في القوة وإن كان بعضها أقوى من بعض كان القوي غالبا أبدا والضعيف مغلوبا أبدا، فوجب أن تستمر أحوال العالم على طبيعة ذلك الكوكب لكنه ليس الأمر كذلك وإن كانت متساوية في القوة وهي متدافعة وجب تعذر الفعل عليها بأسرها فتكون الأفعال الظاهرة في العالم صادرة عن غيرها فلا يكون مدبر العالم هو هذه الكواكب، بل غيرها وإن كانت متعاونة لزم بقاء العالم على حالة واحدة من غير تغير أصلا وإن كانت تارة متعاونة وتارة متدافعة كان انتقالها من المحبة إلى البغضة وبالعكس تغيرا لها في صفاتها فتكون هي مفتقرة في تلك التغيرات إلى الصانع المستولي عليها بالقهر والتسخير.
والثالث عشر: أنها أجسام وكل جسم مركب وكل مركب مفتقر إلى كل واحد من أجزائه وكل واحد من أجزائه غيره فكل جسم هو مفتقر إلى غيره ممكن وكل ممكن مفتقر إلى غيره ممكن لذاته، وكل ممكن لذاته فله مؤثر وكل ماله مؤثر فافتقاره إلى مؤثره إما أن يكون حال بقائه، أو حال حدوثه أو حال عدمه، والأول باطل لأنه يقتضي إيجاد الموجود وهو محال، فبقي