عشاء وهلم جرا هذا إذا اعتبرنا البلاد المخالفة في الأطوال، أما البلاد المختلفة بالعرض، فكل بلد تكون عرضه الشمالي أكثر كانت أيامه الصيفية أطول ولياليه الصيفية أقصر وأيامه الشتوية بالضد من ذلك فهذه الأحوال المختلفة في الأيام والليالي بحسب اختلاف أطوال البلدان وعرضها أمر مختلف عجيب، ولقد ذكر الله تعالى أمر الليل والنهار في كتابه في عدة مواضع فقال في بيان كونه مالك الملك: * (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) * (الحديد: 6) وقال في القصص: * (قل أرأيتم إن جعل الله علكيم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون * قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون * ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) * (القصص: 71 - 73) وفي الروم: * (ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون) * (الروم: 23) وفي لقمان: * (ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى) * (لقمان: 29) وفي الملائكة: * (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم) * (فاطر: 13) وفي يس: * (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون) * (يس: 37) وفي الزمر: * (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) * (غافر: 5) وفي حم غافر: * (الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا) * (غافر: 62) وفي عم: * (وجعلنا الليل لباسا * وجعلنا النهار معاشا) * (النبأ: 10 - 11) والآيات من هذا الجنس كثيرة وتحقيق الكلام أن يقال: إن اختلاف أحوال الليل والنهار يدل على الصانع من وجوه. الأول: أن اختلاف أحوال الليل والنهار مرتبط بحركات الشمس، وهي من الآيات العظام. الثاني: ما يحصل بسبب طول الأيام تارة، وطول الليالي أخرى من اختلاف الفصول، وهو الربيع والصيف والخريف والشتاء، وهو من الآيات العظام. الثالث: أن انتظام أحوال العباد بسبب طلب الكسب والمعيشة في الأيام وطلب النوم والراحة في الليالي من الآيات العظام. الرابع: أن كون الليل والنهار متعاونين على تحصيل مصالح الخلق مع ما بينهما من التضاد والتنافي من الآيات العظام، فإن مقتضى التضاد بين الشيئين أن يتفاسدا لا أن يتعاونا على تحصيل المصالح. الخامس: أن إقبال الخلق في أول الليل على النوم يشبه موت الخلائق أولا عند النفخة الأولى في الصور ويقظتهم عند طلوع الشمس شبيهة بعود الحياة إليهم عند النفخة الثانية، وهذا أيضا من الآيات العظام المنبهة على الآيات العظام. السادس: أن انشقاق ظلمة الليل بظهور الصبح المستطيل فيه من الآيات العظام كأنه جدول ماء صاف يسيل في بحر كدر بحيث لا يتكدر الصافي بالكدر ولا الكدر بالصافي، وهو المراد بقوله تعالى: * (فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا) * (الأنعام: 96). السابع: أن
(٢١٩)