وهذا الطريق أيضا ضعيف من وجوه. أحدها: أنا لا نسلم أن الكوكب لا يتحرك إلا بحركة فلكية، وهم إنما بنوا على امتناع الخرق على الأفلاك، ونحن قد بينا ضعف دلائلهم على ذلك. وثانيها: سلمنا أنه لا بد لهذه الثوابت من كرات أخرى إلا أن مذهبكم أن كل كرة من هذه الكرات السبعة تنقسم إلى أقسام كثيرة، ومجموعها هو الفلك الممثل وأن هذه الممثلة بطيئة الحركة على وفق حركة كرة الثوابت، فلم لا يجوز أن يقال: هذه الثوابت مركوزة في هذه الممثلات البطيئة الحركة، فأما السيارات فإنها مركوزة في الحوامل التي هي أفلاك خارجة المركز، وعلى هذا التقدير لا حاجة إلى إثبات كرة الثوابت. وثالثها: هب أنه لا بد من كرة أخرى فلم لا يجوز أن يكون هناك كرتان إحداهما فوق كرة زحل، والأخرى دون كرة القمر، وذلك لأن هذه السيارات لا تمر إلا بالثوابت الواقعة في ممر تلك السيارات، فأما الثوابت المقاربة للقطبين فإن السيارات لا تمر بشيء منها ولا تكسفها، فالثوابت التي تنكسف بهذه السيارات هب أنا حكمنا بكونها مركوزة في كرة فوق كرة زحل، أما التي لا تنكسف بهذه السيارات فكيف نعلم أنها ليست دون السيارات فثبت أن الذي قالوه غير برهاني بل احتمالي.
البحث الرابع: زعموا أن الفلك الأعظم حركته أسرع الحركات فإنه يتحرك في اليوم والليلة قريبا من دورة تامة، وأنه يتحرك من المشرق إلى المغرب.
وأما الفلك الثامن الذي تحته فإنه في نهاية البطء حتى إنه يتحرك في كل مائة سنة درجة عند بطليموس، وعند المتأخرين في كل ستة وستين سنة درجة، وأنه يتحرك من المغرب إلى المشرق على عكس الحركة الأولى، واحتجوا عليه بأنا لما رصدنا هذه الثوابت وجدنا لها حركة على خلاف الحركة اليومية.
واعلم أن هذا أيضا ضعيف، فلم لا يجوز أن يقال: إن الفلك الأعظم يتحرك من المشرق إلى المغرب كل يوم وليلة دورة تامة، والفلك الثامن أيضا يتحرك من المشرق إلى المغرب كل يوم وليلة دورة إلا بمقدار نحو عشر ثانية فلا جرم نرى حركة الكواكب في الحس مختلفة عن الحركة الأولى بذلك القدر القليل في خلاف جهة الحركة الأولى، فإذا اجتمعت تلك المقادير أحس كأن الكوكب الثابت يرجع بحركة بطيئة إلى خلاف جهة الحركة اليومية، فهذا الاحتمال واقع، وهم ما أقاموا الدلالة على إبطاله، ثم الذي يدل على أنه هو الحق وجهان. الأول: وهو برهاني، أن حركة الفلك الثامن لو كانت إلا خلاف حركة الفلك الأعظم لكان حينما يتحرك بحركة الفلك الأعظم إلى جهة إما أن يتحرك بحركة نفسه إلى خلاف تلك