لمبهم غير معين كقوله: * (وما أدراك ما القارعة * وما أدراك ماهية) * (القارعة: 3، 10).
النوع الثامن من الدلائل: قوله تعالى: * (والسحاب المسخر بين السماء والأرض) * (البقرة: 164) سمي السحاب سحابا لانسحابه في الهواء، ومعنى التسخير التذليل، وإنما سماه مسخرا لوجوه. أحدها: أن طبع الماء ثقيل يقتضي النزول فكان بقاؤه في جو الهواء على خلاف الطبع، فلا بد من قاسر قاهر يقهره على ذلك فلذلك سماه بالمسخر. الثاني: أن هذا السحاب لو دام لعظم ضرره من حيث أنه يستر ضوء الشمس، ويكثر الأمطار والابتلال، ولو انقطع لعظم ضرره لأنه يقتضي القحط وعدم العشب والزراعة، فكان تقديره بالمقدار المعلوم هو المصلحة فهو كالمسخر لله سبحانه يأتي به في وقت الحاجة ويرده عند زوال الحاجة. الثالث: أن السحاب لا يقف في موضع معين بل يسوقه الله تعالى بواسطة تحريك الرياح إلى حيث أراد وشاء فذلك هو التسخير فهذا هو الإشارة إلى وجوه الاستدلال بهذه الدلائل.
وأما قوله تعالى: * (لآيات لقوم يعقلون) * (الروم: 24) ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قوله: * (لآيات) * لفظ جمع فيحتمل أن يكون ذلك راجعا إلى الكل، أي مجموع هذه الأشياء آيات ويحتمل أن يكون راجعا إلى كل واحد مما تقدم ذكره، فكأنه تعالى بين أن في كل واحد مما ذكرنا آيات وأدلة وتقرير ذلك من وجوه. أحدها: أنا بينا أن كل واحد من هذه الأمور الثمانية يدل على وجود الصانع سبحانه وتعالى من وجوه كثيرة. وثانيها: أن كل واحد من هذه الآيات يدل على مدلولات كثيرة فهي من حيث إنها لم تكن موجودة ثم وجدت دلت على وجود المؤثر وعلى كونه قادرا، لأنه لو كان المؤثر موجبا لدام الأثر بدوامه، فما كان يحصل التغير ومن حيث أنها وقعت على وجه الإحكام والاتقان دلت على علم الصانع، ومن حيث أن حدوثها اختص بوقت دون وقت دلت على إرادة الصانع، ومن حيث أنها وقعت على وجه الإتساق والانتظام من غير ظهور الفساد فيها دلت على وحدانية الصانع، على ما قال تعالى * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * (الأنبياء: 22). وثالثها: أنها كما تدل على وجود الصانع وصفاته فكذلك تدل على وجوب طاعته وشكره علينا عند من يقول بوجوب شكر المنعم عقلا لأن كثرة النعم توجب الخلوص في الشكر. ورابعها: أن كل واحد من هذه الدلائل الثمانية أجسام عظيمة فهي مركبة من الأجزاء التي لا تتجزأ فذلك الجزء الذي يتقاصر الحس والوهم والخيال عن إدراكه قد حصل فيه جميع هذه الدلائل، فإن ذلك الجزء من حيث إنه حادث، فكان حدوثه لا محالة مختصا بوقت معين ولا بد وأن يكون مختصا بصفة معينة مع أنه يجوز في العقل وقوعه على