العزيز العليم. وسادسها: أن الفلك الممثل إذا انفصل عنه الفلك الخارج المركز بقي متممان: أحدهما: من الخارج، والآخر: من الداخل، وأنه جرم متشابه الطبيعة، ثم اختص أحد جوانبهما بغاية الثخن، والآخر بغاية الرقة بالنسبة، وإذا كان كذلك وجب أن يكون نسبة ذلك الثخن والرقة إلى طبيعته على السوية، فاختصاص أحد جانبيه بالرقة والآخر بالثخن، لا بد وأن يكون بتخصيص المخصص المختار. وسابعها: أنها مختلف في جهات الحركات، فبعضها من المشرق إلى المغرب، وبعضها من المغرب إلى المشرق، وبعضها شمالية، وبعضها جنوبية، مع أن جميع الجهات بالنسبة إليها على السوية، فلا بد من الإفتقار إلى المدبر. وثامنها: أنا نراها الآن متحركة ومحال أن يقال إنها كانت أزلا متحركة، أو ما كانت متحركة، ثم ابتدأت بالحركة، ومحال أن يقال: إنها كانت أزلا متحركة لأن ماهية الحركة تقتضي المسبوقية بالغير، لأن الحركة انتقال من حالة إلى حالة والأزل ينافي المسبوقية بالغير، فالجمع بين الحركة والأزلية محال، وإن قلنا إنها ما كانت متحركة أزلا سواء قلنا إنها كانت قبل تلك الحركة موجودة أو كانت ساكنة، أو قلنا: إنها كانت قبل تلك الحركة معدومة أصلا، فالإبتداء بالحركة بعد عدم الحركة يقتضي الإفتقار إلى مدبر قديم سبحانه وتعالى ليحركها بعد أن كانت معدومة، أو بعد أن كانت ساكنة، وهذا المأخذ أحسن المآخذ وأقواها. وتاسعها: أن يقال: إن حركاتها إما أن تكون من لوازم جسمانيتها المعينة، لكنا نرى جسمانياتها المعينة منفكة عن كل واحد من أجزاء تلك الحركة، فإذن كل واحد من أجزاء حركته ليس من لوازمه، فافتقرت الأفلاك في حركاتها إلى محرك من خارج، وذلك هو محرك المتحركات، ومدبر الثوابت والسيارات، وهو الحق سبحانه وتعالى. وعاشرها: أن هذا الترتيب العجيب في تركيب هذه الأفلاك وائتلاف حركاتها أترى أنها مبنية على حكمة، أم هي واقعة بالجزاف والعبث؟ أما القسم الثاني: فباطل وبعيد عن العقل، فإن جوز في بناء رفيع، وقصر مشيد أن التراب والماء انضم أحدهما إلى الآخر، ثم تولد منهما لبنات، ثم تركبها قصر مشيد وبناء عال، فإنه يقضي عليه بالجنون، ونحن نعلم أن تركيب هذه الأفلاك وما فيها من الكوكب، وما لها من الحركات ليس أقل من ذلك البناء، فثبت أنه لا بد فيها من رعاية حكمة، ثم لا يخلو إما أن يقال: إنها أحياء ناطقة فهي تتحرك بأنفسها أو يقال: إنه يحركها مدبر قاهر، والأول باطل لأن حركتها إما أن تكون لطلب استكمالها أو لا لهذا الغرض، فإن كانت طالبة بحركتها لتحصيل كمال فهي ناقصة في ذواتها، طالبة للاستكمال أو لا لهذا الغرض، والناقص بذاته لا بد له من مكمل، فهي مفتقرة محتاجة، وإن لم تكن طالبة بحركتها للاستكمال، فهي عابثة في أفعالها، فيعود الأمر إلى أنه يبعد في
(٢١٢)