أكثر علما وقدرة، ثم إنه حال كماله لو أراد أن يغير شعرة عن كيفيتها لا يقدر على ذلك، فحال ما كان في نهاية الضعف كيف يقدر على ذلك، وأما إن كانت تلك القوة مؤثرة بالطبع، فهذا المعنى إما أن يكون جسما متشابه الأجزاء في نفسه، أو يكون مختلف الأجزاء، فإن كان متشابه الأجزاء فالقوة الطبيعية إذا عملت في المادة البسيطة، لا بد وأن يصدر منه فعل متشابه، وهذا هو الكرة فكان ينبغي أن يكون الإنسان على صورة كرة، وتكون جميع الأجزاء المفترضة في تلك الكرة متشابهة في الطبع، وهذا هو الذي يستدلون به على أن البسائط لا بد وأن تكون كرات، فثبت أنه لا بد للنطفة في انقلابها لحما ودما وإنسانا من مدبر ومقدر لأعضائها وقواها وتراكيبها، وما ذاك إلا الصانع سبحانه وتعالى. وثالثها: الاستدلال بأحوال تشريح أبدان الحيوانات والعجائب الواقعة في تركيبها وتأليفها، وإيراد ذلك في هذا الموضع كالمتعذر لكثرتها، واستقصاء الناس في شرحها في الكتب المعمولة في هذا الفن. ورابعها: ما روى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: سبحان من بصر بشحم، وأسمع بعظم، وأنطق بلحم، ومن عجائب الأمر في هذا التركيب أن أهل الطبائع قالوا: أعلى العناصر يجب أن يكون هو النار، لأنها حارة يابسة، وأدون منها في اللطافة الهواء، ثم الماء والأرض لا بد وأن تكون تحت الكل لثقلها وكثافتها ويبسها، ثم إنهم قلبوا هذه القضية في تركيب بدن الإنسان، لأن أعلى الأعضاء منه عظم القحف والعظم بارد يابس على طبيعة الأرض، وتحته الدماغ وهو بارد رطب على طبع الماء، وتحته النفس وهو حار رطب على طبع الهواء، وتحت الكل: القلب، وهو حار يابس على طبع النار، فسبحان من بيده قلب الطبائع يرتبها كيف يشاء، ويركبها كيف أراد.
ومما ذكرنا في هذا الباب أن كل صانع يأتي بنقش لطيف فإنه يصونه عن التراب كي لا يكدره وعن الماء كي لا يمحوه، وعن الهواء كي لا يزيل طراوته ولطافته، وعن النار كيلا تحرقه، ثم إنه سبحانه وتعالى وضع نقش خلقته على هذه الأشياء، فقال: * (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب) * (آل عمران: 59) وقال: * (وجعلنا من الماء كل شيء حي) * (الأنبياء: 30) وقال في الهواء: * (فنفخنا فيه من روحنا) * (التحريم: 12) وقال أيضا: * (وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها) * (المائدة: 110) وقال: * (ونفخت فيه من روحي) * (الحجر: 29) وقال في النار: * (وخلق الجان من مارج من نار) * (الرحمن: 15) وهذا يدل على أن صنعه بخلاف صنع كل أحد. وخامسها: انظر إلى الطفل بعد انفصاله من الأم، فإنك لو وضعت على فمه وأنفه ثوبا يقطع نفسه لمات في الحال، ثم إنه بقي في الرحم الضيق مدة مديدة، مع تعذر النفس هناك ولم يمت، ثم إنه بعد الإنفصال يكون من أضعف الأشياء وأبعدها عن الفهم، بحيث لا يميز بين الماء والنار، وبين