الله تعالى خلقه ولم يصح تعليل حدوثه بحدوثه بنفسه، علمنا أن خلق الله تعالى إياه مغاير لوجوده في نفسه، فالخلق غير المخلوق. وثالثها: أنا نعرف أفعال العباد ونعرف الله تعالى وقدرته مع أنا لا نعرف أن المؤثر في أفعال العباد أهو قدرة الله أم هو قدرة العبد والمعلوم غير ما هو معلوم فمؤثرية قدرة القادر في وقوع المقدور مغايرة لنفس تلك القدرة ولنفس ذلك المقدور، ثم إن هذه المغايرة يستحيل أن تكون سلبية لأنه نقيض المؤثرية التي هي عدمية، فهذه المؤثرية صفة ثبوتية زائدة على ذات المؤثر وذات الأثر وهو المطلوب. ورابعها: أن النحاة قالوا: إذ قلنا خلق الله العالم فالعالم ليس هو المصدر بل هو المفعول به، وذلك يدل على أن خلق العالم غير العالم. وخامسها: أنه يصح أن يقال: خلق السواد وخلق البياض وخلق الجوهر وخلق العرض فمفهوم الخلق أمر واحد في الكل مغاير لهذه الماهيات المختلفة بدليل أنه يصح تقسيم الخالقية إلى خالقية الجوهر وخالقية العرض ومورد التقسيم مشترك بين الأقسام، فثبت أن الخلق غير المخلوق فهذا جملة ما في هذه المسألة.
المسألة الثانية: قال أبو مسلم رحمه الله: أصل الخلق في كلام العرب التقدير وصار ذلك اسما لأفعال الله تعالى لما كان جميعها صوابا قال تعالى: * (وخلق كل شيء فقدره تقديرا) * (الفرقان: 2) ويقول الناس في كل أمر محكم هو معمول على تقدير.
المسألة الثالثة: دلت هذه الآية على أنه لا بد من الاستدلال على وجود الصانع بالدلائل العقلية وأن التقليد ليس طريقا البتة إلى تحصيل هذا الغرض.
المسألة الرابعة: ذكر ابن جرير في سبب نزول هذه الآية: عن عطاء أنه عليه السلام عند قدومه المدينة نزل عليه: * (وإلهكم إله واحد) * (البقرة: 163) فقال كفار قريش بمكة كيف يسع الناس إله واحد؟ فأنزل الله تعالى: * (إن في خلق السماوات والأرض) * وعن سعيد بن مسروق أقل: سألت قريش اليهود فقالوا حدثونا عما جاءكم به موسى من الآيات فحدثوهم بالعصا وباليد البيضاء وسألوا النصارى عن ذلك فحدثوهم بإبراء الأكمة والأبرص وإحياء الموتى فقالت قريش عند ذلك للنبي عليه السلام ادع الله أن يجعل لنا الصفا ذهبا فنزداد يقينا وقوة على عدونا، فسأل ربه ذلك فأوحى الله تعالى إليه أن يعطيهم ولكن إن كذبوا بعد ذلك عذبتهم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين فقال عليه السلام: " ذرني وقومي أدعوهم يوما فيوما " فأنزل الله تعالى هذه الآية مبينا لهم أنهم إن كانوا يريدون أن أجعل لهم الصفا ذهبا ليزدادوا يقينا فخلق السماوات والأرض وسائر ما ذكر أعظم.
واعلم أن الكلام في هذه الأنواع الثمانية من الدلائل على أقسام: