أن يرجع إلى غزاته.
والثاني: أنه تمنى تلك المرأة حلالا، وحدث نفسه بذلك، فاتفق غزو أوريا من غير أن يسعى في سبب قتله ولا في تعريضه للهلاك، فلما بلغة قتله، لم يجزع عليه كما جزع على غيره من جنده، ثم تزوج امرأته، فعوتب على ذلك. وذنوب الأنبياء عليهم السلام وإن صغرت، فهي عظيمة عند الله [عز وجل].
والثالث: أنه لما وقع بصره عليها، أشبع النظر إليها حتى علقت بقلبه.
والرابع: أن أوريا كان قد خطب تلك المرأة، فخطبها داود مع علمه بأن أوريا قد خطبها، فتزوجها، فاغتم أوريا، وعاتب الله تعالى داود إذ لم يتركها لخاطبها الأول، واختار القاضي أبو يعلى هذا القول، واستدل عليه بقوله تعالى: (و عزني في الخطاب)، قال: فدل هذا على أن الكلام إنما كان بينهما في الخطبة، ولم يكن قد تقدم تزوج الآخر، فعوتب داود عليه السلام لشيئين ينبغي للأنبياء التنزه عنهما:
أحدهما: خطبته على خطبته غيره.
والثاني: إظهار الحرص على التزويج مع كثرة نسائه، ولم يعتقد ذلك معصية، فعاتبه الله تعالى عليها، قال: فأما ما روي أنه نظر إلى المرأة فهويها وقدم زوجها للقتل، فإنه وجه لا يجوز على الأنبياء، لأن الأنبياء لا يأتون المعاصي مع العلم بها.
قال الزجاج: إنما قال: " الخصم " بلفظ الواحد، وقال: " تسوروا " بلفظ الجماعة، لأن قولك: خصم، يصلح للواحد والاثنين والجماعة والذكر والأنثى، تقول، هذا خصم، وهي خصم، وهما خصم، وهم خصم، وإنما يصلح لجميع ذلك لأنه مصدر، تقول: خصمته أخصمه خصما.
والمحراب هاهنا كالغرفة، قال الشاعر:
ربة محراب إذا جئتها * لم ألقها أو أرتقي سلما و " تسوروا " يدل على علو.
قال المفسرون: كانا ملكين، وقيل: هما جبريل وميكائيل [عليهما السلام] أتياه لينبهاه على التوبة وإنما قال: " تسوروا " وهما اثنان، لأن معنى الجمع ضم شئ إلى شئ، والاثنان فما فوقهما جماعة.
قوله تعالى: (إذ دخلوا على داود) قال الفراء: يجوز أن يكون معنى " تسوروا ": دخلوا، فيكون تكرارا، ويجوز أن يكون بمعنى " لما "، فيكون المعنى: إذ تسوروا المحراب لما دخلوا، ولما تسوروا إذ دخلوا.
قوله تعالى: (ففزع منهم) وذلك أنهما أتيا على غير صفة مجيء الخصوم، وفي غير