و الثاني: أنها نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وكانت أول امرأة هاجرت، فوهبت نفسها لرسول الله [صلى الله عليه وسلم]، فقال: " قد قبلتك "، وزوجها زيد بن حارثة، فسخطت هي وأخوها، وقالا: إنما أردنا رسول الله، فزوجها عبده؟! فنزلت هذه الآية، قاله ابن زيد. والأول عند المفسرين أصح.
قوله تعالى: (إذا قضى الله ورسوله أمرا) أي: حكما بذلك (أن تكون) وقرأ أهل الكوفة: " أن يكون " بالياء (لهم الخيرة) وقرأ أبو مجلز، وأبو رجاء: " الخيرة " باسكان الياء، فجمع في الكناية في قوله [تعالى]: " هم "، لأن المراد جميع المؤمنين والمؤمنات، والخيرة:
الاختيار، فأعلم الله عز وجل أنه لا اختيار على ما قضاه الله ورسوله. فلما زوجها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] زيدا مكثت عنده حينا، ثم إن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أتى منزل زيد فنظر إليها وكانت بيضاء جميلة من أتم نساء قريش، فوقعت في قلبه، فقال: " سبحان الله مقلب القلوب "، وفطن زيد، فقال: يا رسول الله ائذن لي في طلاقها، وقال بعضهم: أتى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] منزل زيد، فرأى زينب، فقال: " سبحان مقلب القلوب "، فسمعت ذلك زينب، فلما جاء زيد ذكرت له ذلك، فعلم أنها قد وقعت في نفسه، فأتاه فقال: يا رسول الله ائذن لي في طلاقها. وقال ابن زيد: جاء رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلى باب زيد - وعلى الباب ستر من شعر - فرفعت الريح الستر، فرأى زينب، فلما وقعت في قلبه كرهت إلى الآخر، فجاء فقال: يا رسول الله أريد فراقها، فقال: " اتق الله ". وقال مقاتل: لما فطن زيد لتسبيح رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، قال: يا رسول الله ائذن لي في طلاقها، فإن فيها كبرا، فهي تعظم علي وتؤذيني بلسانها، فقال له النبي [صلى الله عليه وسلم]: " أمسك عليك زوجك واتق الله ". ثم إن زيدا طلقها بعد ذلك، فأنزل الله تعالى: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) بالإسلام (وأنعمت عليه) بالعتق.
قوله تعالى: (و اتق الله) أي: في أمرها فلا تطلقها (و تخفي في نفسك) أي: تسر وتضمر في قلبك (ما الله مبديه) أي: مظهره، وفيه أربعة أقوال:
أحدها: حبها، قاله ابن عباس.
و الثاني: عهد عهده الله إليه أن زينب ستكون له زوجة، فلما أتى زيد يشكوها، قال له:
" أمسك عليك زوجك واتق الله "، وأخفى في نفسه ما الله مبديه، قاله علي بن الحسين.
والثالث: إيثاره لطلاقها، قاله قتادة، وابن جريج، ومقاتل.
والرابع: أن الذي أخفاه: إن طلقها زيد تزوجتها، قاله ابن زيد.