والثاني: المؤمنون والمشركون.
ثم خوف كفار مكة بقوله [تعالى]: (أو لم يهد لهم) وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي:
" نهد " بالنون. وقد سبق تفسيره.
(أو لم يروا أنا نسوق الماء) يعني المطر والسيل (إلى الأرض الجرز) وهي التي لا تنبت - وقد ذكرناها في أول الكهف - فإذا جاء الماء أنبت فيها ما يأكل الناس والأنعام.
(ويقولون) يعني كفار مكة (متى هذا الفتح) وفيه أربعة أقوال:
أحدها: أنه ما فتح يوم بدر، روى عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية قال: يوم بدر فتح للنبي صلى الله عليه و آله و سلم، فلم ينفع الذين كفروا إيمانهم بعد الموت.
والثاني: أنه يوم القيامة، وهو يوم الحكم بالثواب والعقاب، قاله مجاهد.
والثالث: أنه اليوم الذي يأتيهم فيه العذاب في الدنيا، قاله السدي.
والرابع: فتح مكة، قاله ابن السائب، والفراء، وابن قتيبة، وقد اعترض على هذا القول، فقيل: كيف لا ينفع الكفار إيمانهم يوم الفتح، وقد أسلم جماعة وقبل إسلامهم يومئذ؟! ففيه جوابان:
أحدهما: لا ينفع من قتل من الكفار يومئذ إيمانهم بعد الموت، وقد ذكرناه عن ابن عباس.
وقد ذكر أهل السير أن خالدا دخل يوم الفتح من غير الطريق التي دخل منها رسول الله [صلى الله عليه و آله و سلم]، فلقيه صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو في آخرين فقاتلوه، فصاح خالد في أصحابه وقاتلهم، فقتل أربعة وعشرين من قريش، وأربعة من هذيل، وانهزموا: فلما ظهر رسول الله [صلى الله عليه و آله و سلم] قال: " ألم أنه عن القتال "؟ فقيل: إن خالدا قوتل فقاتل.
والثاني: لا ينفع الكفار ما أعطوا من الأمان، لأن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: " من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ". قال الزجاج: يقال: آمنت فلانا، فعلى هذا يكون المعنى: لا يدفع هذا الأمان عنهم عذاب الله [عز و جل]. وهذا القول الذي قد دافعنا عنه ليس بالمختار، وإنما بينا وجهه لأنه قد قيل.
وقد خرج بما ذكرنا في الفتح قولان:
أحدهما: أنه الحكم والقضاء، وهو الذي تختاره.
والثاني: فتح البلد.
قوله تعالى: (فأعرض عنهم وانتظر) أي: انتظر عذابهم (إنهم منتظرون) بك حوادث الدهر. قال المفسرون: وهذه الآية منسوخة بأية السيف. والله أعلم بالصواب.