الأصنام (سبحانك) نزهوا الله تعالى أن يعبد غيره (ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء) نواليهم، والمعنى: ما كان ينبغي لنا أن نعبد نحن غيرك، فكيف ندعو إلى عبادتنا؟! فدل هذا الجواب على أنهم لم يأمروا بعبادتهم. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وابن جبير، والحسن، وقتادة، وأبو جعفر، وابن يعمر، وعاصم الجحدري: " أن نتخذ " برفع النون وفتح الخاء. ثم ذكروا سبب تركهم للإيمان، فقالوا: (ولكن متعتهم) أي: أطلت لهم العمر و أوسعت لهم الرزق (حتى نسوا الذكر) أي: تركوا الإيمان بالقرآن والاتعاظ به (وكانوا قوما بورا) قال ابن عباس: هلكى. وقال في رواية أخرى، البور: في لغة أزد عمان: الفاسد. قال ابن قتيبة: هو من بار يبور: إذا هلك وبطل، يقال: بار الطعام: إذا كسد، وبارت الأيم: إذا لم يرغب فيها، وكان رسول الله [صلى الله عليه و آله وسلم] يتعوذ من بوار الأيم، قال: وقال أبو عبيدة: يقال: رجل بور، وقوم بور، لا يجمع ولا يثنى، واحتج بقول الشاعر:
يا رسول المليك إن لساني * راتق ما فتقت إذا أنا بور قال: و قد سمعنا ب " رجل بائر "، ورأيناهم ربما جمعوا " فاعلا " على " فعل "، نحو عائذ وعوذ، وشارف وشرف. قال المفسرون: فيقال للكفار حينئذ (فقد كذبوكم) أي: فقد كذبكم المعبودون في قولكم: إنهم آلهة. وقرأ سعيد بن جبير، ومجاهد، ومعاذ القارئ، وابن شنبوذ عن قنبل: " بما يقولون " بالياء، والمعنى: كذبوكم بقولهم: (سبحانك ما كان ينبغي لنا...) الآية، هذا قول الأكثرين. وقال ابن زيد: الخطاب للمؤمنين، فالمعنى: فقد كذبكم المشركون بما تقولون: إن محمدا رسول الله [صلى الله عليه و آله وسلم].
قوله تعالى: (فما يستطيعون) قرأ الأكثرون بالياء. وفيه وجهان:
أحدهما: فما يستطيع المعبودون صرفا للعذاب عنكم ولا نصرا لكم.
والثاني: فما يستطيع الكفار صرفا لعذاب الله عنهم ولا نصرا لأنفسهم. وقرأ حفص عن عاصم: " تستطيعون " بالتاء، والخطاب للكفار. وحكى ابن قتيبة عن يونس البصري أنه قال:
الصرف: الحيلة من قولهم: إنه ليتصرف.
قوله تعالى: (ومن يظلم منكم) أي: بالشرك (نذقه) في الآخرة. وقرأ عاصم الجحدري، والضحاك، وأبو الجوزاء وقتادة: " يذقه " بالياء (عذابا كبيرا) أي: شديدا. (وما أرسلنا قبلك من المرسلين) قال الزجاج: في الآية محذوف، تقديره: وما أرسلنا قبلك رسلا من المرسلين، فحذفت لأن قوله: (من المرسلين) يدل عليها.
قوله تعالى: (إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق) أي: إنهم كانوا على مثل حالك، فكيف تكون بدعا منهم؟!