قوله تعالى: (اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا).
إن قيل: إنما عاينوا العذاب يوم القيامة، فكيف يقع التكذيب منهم قبل وجود الآيات؟
فالجواب: أنهم كانوا مكذبين أنبياء الله وكتبه المتقدمة، ومن كذب نبيا فقد كذب سائر الأنبياء، ولهذا قال: (وقوم نوح لما كذبوا الرسل)، وقال الزجاج: يجوز أن يكون المراد به نوح وحده، وقد ذكر بلفظ الجنس، كما يقال: فلان يركب الدواب، وإن لم يركب إلا دابة واحدة، وقد شرحنا هذا في [سورة] هود عند قوله: (وعصوا رسله). وقد سبق معنى التدمير.
فوله تعالى: (وأصحاب الرس) في الرس ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها بئر كانت تسمى الرس، قاله ابن عباس في رواية العوفي. وقال في رواية عكرمة: هي بئر بآذربيجان. وزعم ابن السائب أنها بئر دون اليمامة. وقال السدي: بئر بأنطاكية.
والثاني: أن الرس قرية من قرى اليمامة، قاله قتادة.
والثالث: أنها المعدن، قاله أبو عبيدة، وابن قتيبة، و في تسميتها بالرس قولان:
أحدهما: أنهم رسوا نبيهم في البئر، قاله عكرمة. قال الزجاج: رسوه، أي: دسوه فيها.
والثاني: أن كل ركية لم تطو فهي رس، قاله ابن قتيبة، و اختلفوا في أصحاب الرس على خمسة أقوال:
أحدها: أنهم قوم كانوا يعبدون شجرة، فبعث الله إليهم نبيا من ولد يهوذا بن يعقوب، فحفروا له بئرا وألقوه فيها، فهلكوا، قاله علي بن أبي طالب.
والثاني: أنهم قوم كان لهم نبي يقال له: حنظلة بن صفوان، فقتلوا نبيهم فأهلكهم الله، قاله سعيد بن جبير.
والثالث: أنهم كانوا أهل بئر ينزلون عليها، وكانت لهم مواش، وكانوا يعبدون الأصنام، فبعث الله إليهم شعيبا، فتمادوا في طغيانهم، فانهارت البئر، فخسف بهم وبمنازلهم، قاله وهب بن منبه.
والرابع: أنهم الذين قتلوا حبيبا النجار، قتلوه في بئر لهم، وهو الذي قال: (يا قوم اتبعوا المرسلين)، قاله السدي.
والخامس: أنهم قوم قتلوا نبيهم وأكلوه، وأول من عمل السحر نساؤهم، قاله ابن السائب.