يقل قائل منهم لم تعهد في أمر ما جعل الله لك العهد فيه ولا قال ذلك قائل في غير مجلسه ولا بعد وفاته ولو كان عهده إلى عمر خطأ في الدين لسارعوا إلى تعريفه ذلك وموافقته عليه ولكان أجدر من قول قائلهم أتولي علينا فظا غليظا إذ كان ليس له أن يولي عليهم أحدا لا فظا ولا رفيقا وكان تنبيهه على ذلك وادكاره به ومطالبته بتركه أولى من خوضهم في صفة من يعهد إليه لأن الكلام في صفة من يعهد إليه فرع للكلام في صفة العهد أولا وإذا لم يصح العهد جملة سقط الخوض فيه في صفة المعهود إليه وزالت المؤونة ومثل هذا الخطأ والتفريط الظاهر لا يجوز على كافة لمسلمين وقادة الأنصار والمهاجرين لأن الأمة لن تجتمع في عصر الصحابة ولا في غيره على خطأ وإمساك عن إنكار ما من سبيله أن ينكر حتى لا يكون فيها إلا متدين بصحة العهد من الإمام إلى غيره وقائل به ومصوب له لأن القول بالعهد وفعله خطأ من فاعله الرضي به والإقرار له خطأ من المقر له إذ كان العهد خطأ في الدين والأمة لا تجتمع على خطأ.
ويدل عليه أيضا إجماع أهل الاختيار الذين هم أهل الحق في القول بالإمامة أن للإمام أن يعهد إلى إمام بعده ولسنا نعرف منهم من ينكر ذلك ولا يثبت عن أحد منهم برواية شاذة ومقالة مروية أنه لم يكن قائلا بها ولا ذاهبا إليها.
ويدل على ذلك أيضا ويوضحه علمنا أن الإمام العدل لو لم يكن إماما وكان رجلا من الرعية لكان له أن يبتدئ العقد لمن يصلح للإمامة وإذا كان ذلك كذلك فكونه إماما لا يحطه عن هذه الرتبة فوجب أن يكون له أن يعقد على إمام بعده ويعهد إليه كما كان له أن يبتدئ العقد له لأن العقد في الحقيقة عقد على صفة فصح بذلك ما قلناه.
فإن قال قائل فما أنكرتم من تحريم العهد من الإمام لغيره لموضع التهمة من العاهد وتجويز ميله إلى المعهود إليه وإيثاره لولايته قيل له هذه التهمة معصية لله ممن جناها وظنها بإمام المسلمين إذا كان عفيفا مشهورا ظاهر العدالة منصفا للأمة لم تكن منه خيانة لهم في مدة أيام نظره ولا مخاتلة ولا جبرية فهو بألا يتهم بعد الموت ويحتقب عظيم الإثم في تسليط ظالم