أن اللسان الذي نزل به لسانهم ومع العلم بما هم عليه من عزة الأنفس وعظم الأنفة وشدة الحمية والحرص على تكذيبه وتشتيت جمعه وتفريق الناس من حوله والتوفر على إكذابه وما عره وغض منه وخروجهم إلى ما خرجوا إليه معه من الحرب والمسايفة وحمل الأنفس على إراقة الدماء والخروج عن الديار ومفارقة الأوطان.
فلو كانوا مع ذلك قادرين على معارضته أو معارضة سورة منه لسارعوا إلى ذلك ولكان أهون عليهم وأخف من نصب الحرب معه والجلاء عن الأوطان وتحمل الأهوال والصبر على القتل وألم الجراح واحتمال الذل والعار لأنه قد كان صلى الله عليه وسلم مكنهم من تكذيبه من وجهين أحدهما قوله لن تأتوا بمثله والآخر قوله إن أتيتم فلجتم وكنت مبطلا وكنتم المحقين هذا مع تلاوته عليهم في نص التنزيل قوله: «وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون». ولو عرفوه بذلك أو بصحبة أهل الكتب ونقلة السير ومداخلة أهل الأخبار ومجالسة أهل هذا الشأن لم يلبثوا أن يقولوا له: هذا كذب لأنك ما زلت معروفا بصحبة أهل الكتب ومجالستهم وقصدهم إلى مواضعهم ومواطنهم ومجاراتهم والأخذ عنهم والاستفادة منهم.