فإن ظن ظان أن الذي قلنا في تأويل الخبر عن النبي (ص) الذي رواه عكرمة، ليس كما قلنا، وصح أن ترك النبي (ص) أمر الرجل بهجر زوجته إذا عصيته في المعروف وأمره بضربها قبل الهجر، لو كان دليلا على صحة ما قلنا من أن معنى الهجر هو ما بيناه، لوجب أن يكون لا معنى لأمر الله زوجها أن يعظها إذا هي نشزت، إذ كان لا ذكر للعظة في خبر عكرمة عن النبي (ص)، فإن الامر في ذلك بخلاف ما ظن، وذلك أن قوله (ص): إذا عصينكم في المعروف دلالة بينة أنه لم يبح للرجل ضرب زوجته إلا بعد عظتها من نشوزها، وذلك أنه لا تكون له عاصية، إلا وقد تقدم منه لها أمر أو عظة بالمعروف على ما أمر الله تعالى ذكره به.
القول في تأويل قوله تعالى: * (واضربوهن) *.
يعني بذلك جل ثناؤه: فعظوهن أيها الرجال في نشوزهن، فإن أبين الإياب إلى ما يلزمهن لكم فشدوهن وثاقا في منازلهن، واضربوهن ليؤبن إلى الواجب عليهن من طاعة الله في اللازم لهن من حقوقكم. وقال أهل التأويل: صفة الضرب التي أباح الله لزوج الناشز أن يضربها الضرب غير المبرح. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد بن جبير: * (واضربوهن) * قال: ضربا غير مبرح.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: أخبرنا أبو حمزة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، مثله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، قال: الضرب غير المبرح.
حدثني المثنى، قال: ثنا حبان بن موسى، قال: ثنا ابن المبارك، قال:
أخبرنا شريك، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: * (واضربوهن) * قال: ضربا غير مبرح.
حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: * (واهجروهن في المضاجع) * واضربوهن، قال: تهجرها في المضجع، فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضربا غير مبرح، ولا تكسر لها عظما، فإن أقبلت، وإلا فقد حل لك منها الفدية.