هذا المعنى. ومعنى: واهجروا كلامهن بسبب هجرهن مضاجعكم، وذلك أيضا لا وجه له مفهوم لان الله تعالى ذكره قد أخبر على لسان نبيه (ص) أنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث. على أن ذلك لو كان حلالا لم يكن لهجرها في الكلام معنى مفهوم، لأنها إذا كانت عنه منصرفة وعليه ناشزا فمن سرورها أن لا يكلمها ولا يراها ولا تراه، فكيف يؤمر الرجل في حال بغض امرأته إياه وانصرافها عنه بترك ما في تركه سرورها من ترك جماعها ومجاذبتها وتكليمها، وهو يؤمر بضربها لترتدع عما هي عليه من ترك طاعته إذا دعاها إلى فراشه، وغير ذلك مما يلزمها طاعته فيه؟ أو يكون إذ فسد هذان الوجهان يكون معناه:
واهجروا في قولكم لهم، بمعنى: رددوا عليهن كلامكم إذا كلمتموهن بالتغليظ لهن، فإن كان ذلك معناه، فلا وجه لأعمال الهجر في كناية أسماء النساء الناشزات، أعني في الهاء والنون من قوله * (واهجروهن) *، لأنه إذا أريد به ذلك المعنى، كان الفعل غير واقع، إنما يقال: هجر فلان في كلامه ولا يقال: هجر فلان فلانا.
فإذا كان في كل هذه المعاني ما ذكرنا من الخلل اللاحق، فأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يكون قوله: * (واهجروهن) * موجها معناه إلى معنى الربط بالهجار على ما ذكرنا من قيل العرب للبعير إذا ربطه صاحبه بحبل على ما وصفنا: هجره فهو يهجره هجرا. وإذا كان ذلك معناه كان تأويل الكلام: واللاتي تخافون نشوزهن، فعظوهن في نشوزهن عليكم، فإن اتعظن فلا سبيل لكم عليهن، وإن أبين الأوبة من نشوزهن فاستوثقوا منهن رباطا في مضاجعهن، يعني في منازلهن وبيوتهن التي يضطجعن فيها ويضاجعن فيها أزواجهن. كما:
حدثني عباس بن أبي طالب، قال: ثنا يحيى بن أبي بكير، عن شبل، قال: سمعت أبا قزعة يحدث عن عمرو بن دينار، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه: أنه جاء إلى النبي (ص) فقال: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: يطعمها ويكسوها، ولا يضرب الوجه ولا يقبح ولا يهجر إلا في البيت.