وقال آخرون: معنى ذلك: كما كان هذا الذي قتلتموه بعد ما ألقى إليكم السلم كافرا كنتم كفارا، فهداه كما هداكم. ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: * (كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم) * كفارا مثله، * (فتبينوا) *.
وأولى هذين القولين بتأويل الآية القول الأول، وهو قول من قال: كذلك كنتم تخفون إيمانكم في قومكم من المشركين وأنتم مقيمين بين أظهرهم، كما كان هذا الذي قتلتموه مقيما بين أظهر قومه من المشركين، مستخفيا بدينه منهم.
وإنما قلنا هذا التأويل أولى بالصواب، لان الله عز ذكره إنما عاتب الذين قتلوه من أهل الايمان بعد إلقائه إليهم السلام، ولم يقد به قاتلوه للبس الذي كان دخل في أمره على قاتليه بمقامه بين أظهر قومه من المشركين، وظنهم أنه ألقى السلام إلى المؤمنين تعوذا منهم، ولم يعاتبهم على قتلهم إياه مشركا، فيقال: كما كان كافرا كنتم كفارا، بل لا وجه لذلك، لان الله جل ثناؤه لم يعاتب أحدا من خلقه على قتل محارب لله ولرسوله من أهل الشرك بعد إذنه له بقتله.
واختلف أيضا أهل التأويل في تأويل قوله: * (فمن الله عليكم) * فقال بعضهم: معنى ذلك: فمن الله عليكم بإظهار دينه وإعزاز أهله، حتى أظهروا الاسلام بعد ما كانوا يكتمونه من أهل الشرك. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير: * (فمن الله عليكم) * فأظهر الاسلام.
وقال آخرون: معنى ذلك: فمن الله عليكم أيها القاتلون الذي ألقى إليكم السلام طلب عرض الحياة الدنيا بالتوبة من قتلكم إياه. ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: * (فمن الله عليكم) * يقول: تاب الله عليكم.
وأولى التأويلين في ذلك بالصواب التأويل الذي ذكرته عن سعيد بن جبير، لما ذكرنا من الدلالة على أن معنى قوله: * (كذلك كنتم من قبل) * ما وصفنا قبل، فالواجب أن يكون عقيب ذلك: * (فمن الله عليكم) * فرفع ما كنتم فيه من الخوف من أعدائكم عنكم بإظهار دينه