وبعض الكوفيين والبصريين: * (فتبينوا) * بالباء والنون من التبين، بمعنى: التأني والنظر والكشف عنه حتى يتضح. وقرأ ذلك عظم قراء الكوفيين: فتثبتوا بمعنى التثبت الذي هو خلاف العجلة. والقول عندنا في ذلك أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قراءة المسلمين بمعنى واحد وإن اختلفت بهما الألفاظ، لان المتثبت متبين، والمتبين متثبت، فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب صواب القراءة في ذلك.
واختلفت القراء في قراءة قوله: * (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام) * فقرأ ذلك عامة قراء المكيين والمدنيين والكوفيين السلم بغير ألف، بمعنى الاستسلام، وقرأه بعض الكوفيين والبصريين: * (السلام) * بألف، بمعنى التحية.
والصواب من القراءة في ذلك عندنا: لمن ألقى إليكم السلم بمعنى: من استسلم لكم مذعنا لله بالتوحيد مقرا لكم بملتكم. وإنما اخترنا ذلك لاختلاف الرواية في ذلك، فمن راو روى أنه استسلم بأن شهد شهادة الحق وقال: إني مسلم، ومن راو روى أنه قال:
السلام عليكم، فحياهم تحية الاسلام، ومن راو روى أنه كان مسلما بإسلام قد تقدم منه قبل قتلهم إياه. وكل هذه المعاني يجمعها السلم، لان المسلم مستسلم، والمحيي بتحية الاسلام مستسلم، والمتشهد شهادة الحق مستسلم لأهل الاسلام، فمعنى السلم جامع جميع المعاني التي رويت في أمر المقتول الذي نزلت في شأنه هذه الآية، وليس كذلك في السلام، لان السلام لا وجه له في هذا الموضع إلا التحية، فلذلك وصفنا السلم بالصواب.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: * (كذلك كنتم من قبل) * فقال بعضهم: معناه:
كما كان هذا الذي قتلتموه بعد ما ألقى إليكم السلام مستخفيا في قومه بدينه خوفا على نفسه منهم، كنتم أنتم مستخفين بأديانكم من قومكم حذرا على أنفسكم منهم، فمن الله عليكم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن كثير، عن سعيد بن جبير في قوله: * (كذلك كنتم من قبل) * تستخفون بإيمانكم كما استخفى هذا الراعي بإيمانه.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير: * (كذلك كنتم من قبل) * تكتمون إيمانكم في المشركين.