قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بتأويل الآية قول من قال: عني بذلك المقتول من أهل العهد، لان الله أبهم ذلك، فقال: * (وإن كان من قوم بينكم وبينهم) * ولم يقل:
وهو مؤمن كما قال في القتيل من المؤمنين وأهل الحرب، أو عني المؤمن منهم وهو مؤمن. فكان في تركه وصفه بالايمان الذي وصف به القتيلين الماضي ذكرهما قبل، الدليل الواضح على صحة ما قلنا في ذلك.
فإن ظن ظان أن في قوله تبارك وتعالى: * (فدية مسلمة إلى أهله) * دليلا على أنه من أهل الايمان، لان الدية عنده لا تكون إلا لمؤمن، فقد ظن خطأ، وذلك أن دية الذمي وأهل الاسلام سواء، لاجماع جميعهم على أن ديات عبيدهم الكفار وعبيد المؤمنين من أهل الايمان سواء، فكذلك حكم ديات أحرارهم سواء، مع أن دياتهم لو كانت على ما قال من خالفنا في ذلك، فجعلها على النصف من ديات أهل الايمان أو على الثلث، لم يكن في ذلك دليل على أن المعنى بقوله: * (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق) * من أهل الايمان، لان دية المؤمنة لا خلاف بين الجميع، إلا من لا يعد خلافا أنها على النصف من دية المؤمن، وذلك غير مخرجها من أن تكون دية، فكذلك حكم ديات أهل الذمة لو كانت مقصرة عن ديات أهل الايمان لم يخرجها ذلك من أن تكون ديات، فكيف والامر في ذلك بخلافه ودياتهم وديات المؤمنين سواء؟.
وأما الميثاق: فإنه العهد والذمة، وقد بينا في غير هذا الموضع أن ذلك كذلك والأصل الذي منه أخذ بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي في قوله: * (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق) * يقول: عهد.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري في قوله: * (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق) * قال: هو المعاهدة.
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: * (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق) *: عهد.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، مثله.