(وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) * يقول: ما كان له ذلك فيما أتاه من ربه من عهد الله الذي عهد إليه.
وأما قوله: * (إلا خطأ) * فإنه يقول: إلا أن المؤمن قد يقتل المؤمن خطأ، وليس له مما جعل له ربه فأباحه له. وهذا من الاستنثاء الذي تسميه أهل العربية: الاستثناء المنقطع، كما قال جرير بن عطية:
من البيض لم تظعن بعيدا ولم تطأ على الأرض إلا ريط برد مرحل يعني: لم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيل البرد، وليس ذيل البرد من الأرض.
ثم أخبر جل ثناؤه عباده بحكم من قتل من المؤمنين خطأ، فقال: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة) * يقول: فعليه تحرير رقبة مؤمنة من ماله ودية مسلمة يؤديها عاقلته إلى أهله: * (إلا أن يصدقوا) * يقول: إلا أن يصدق أهل القتيل خطأ على من لزمته دية قتيلهم، فيعفوا عنه ويتجاوزوا عن ذنبه، فيسقط عنه. وموضع أن من قوله: * (إلا أن يصدقوا) * نصب، لان معناه: فعليه ذلك إلا أن يصدقوا. وذكر أن هذه الآية نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي، وكان قد قتل رجلا مسلما بعد إسلامه وهو لا يعلم بإسلامه. ذكر الآثار بذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن جاهد في قول الله: * (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) * قال: عياش بن أبي ربيعة قتل رجلا مؤمنا كان يعذبه مع أبي جهل، وهو أخوه لامه، فاتبع النبي (ص) وهو يحسب أن ذلك الرجل كان كما هو. وكان عياش هاجر إلى النبي (ص) مؤمنا، فجاء أبو جهل وهو أخوه لامه، فقال: إن أمك تناشدك رحمها وحقها أن ترجع إليها! وهي أسماء ابنة