يفرض عليهم القتال، فلما فرض عليهم القتال شق عليهم ذلك وقالوا ما أخبر عنهم في كتابه.
فتأويل قوله: * (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم) *: ألم تر بقلبك يا محمد فتعلم إلى الذين قيل لهم من أصحابك حين سألوك أن تسأل ربك أن يفرض عليهم القتال:
كفوا أيديكم، فأمسكوها عن قتال المشركين وحربهم. * (وأقيموا الصلاة) * يقول: وأدوا الصلاة التي فرضها الله عليكم بحدودها. * (وآتوا الزكاة) * يقول: وأعطوا الزكاة أهلها، الذين جعلها الله لهم من أموالكم، تطهيرا لابدانكم وأموالكم، كرهوا ما أمروا به من كف الأيدي عن قتال المشركين، وشق ذلك عليهم. * (فلما كتب عليهم القتال) * يقول: فلما فرض عليهم القتال الذي كانوا سألوا أن يفرض عليهم، * (إذا فريق منهم) * يعني: جماعة منهم * (يخشون الناس) * يقول: يخافون الناس أن يقاتلوهم، * (كخشية الله أو أشد خشية) * أو أشد خوفا. * (وقالوا) * جزعا من القتال الذي فرض الله عليهم: * (لم كتبت علينا القتال) *:
لم فرضت علينا القتال، ركونا منهم إلى الدنيا، وإيثارا للدعة فيها والحفظ، عن مكروه لقاء العدو، ومشقة حربهم وقتالهم. * (لولا أخرتنا) * يخبر عنهم، قالوا: هلا أخرتنا * (إلى أجل قريب) * يعني: إلى أن يموتوا على فرشهم وفي منازلهم.
وبنحو الذي قلنا إن هذه الآية نزلت فيه قال أهل التأويل. ذكر الآثار بذلك، والرواية عمن قاله:
حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، قال: سمعت أبي، قال:
أخبرنا الحسين بن واقد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابا له أتوا النبي (ص)، فقالوا: يا رسول الله، كنا في عز ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلة! فقال: إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا فلما حوله الله إلى المدينة أمر بالقتال فكفوا، فأنزل الله تبارك وتعالى: * (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم) *... الآية.