كانت لهم في الدنيا فتعذب! وإن أجزت ذلك، لزمك أن يكون المعذبون في الآخرة بالنار غير الذين أوعدهم الله العقاب على كفرهم به ومعصيتهم إياه، وأن يكون الكفار قد ارتفع عنهم العذاب! قيل: إن الناس اختلفوا في معنى ذلك، فقال بعضهم: العذاب إنما يصل إلى الانسان الذي هو غير الجلد واللحم، وإنما يحرق الجلد ليصل إلى الانسان ألم العذاب، وأما الجلد واللحم فلا يألمان. قالوا: فسواء أعيد على الكافر جلده الذي كان له في الدنيا، أو جلد غيره، إذ كانت الجلود غير آلمة ولا معذبة، وإنما الآلمة المعذبة النفس التي تحس الألم، ويصل إليها الوجع. قالوا: وإذا كان ذلك كذلك، فغير مستحيل أن يخلق لكل كافر في النار في كل لحظة وساعة من الجلود ما لا يحصى عدده، ويحرق ذلك عليه، ليصل إلى نفسه ألم العذاب، إذ كانت الجلود لا تألم.
وقال آخرون: بل الجلود تألم، واللحم وسائر أجزاء جرم بني آدم، وإذا أحرق جلده أو غيره من أجزاء جسده، وصل ألم ذلك إلى جميعه. قالوا: ومعنى قوله: * (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها) *: بدلناهم جلودا غير محترقة، وذلك أنها تعاد جديدة، والأولى كانت قد احترقت فأعيدت غير محترقة، فلذلك قيل غيرها، لأنها غير الجلود التي كانت لهم في الدنيا التي عصوا الله وهي لهم. قالوا: وذلك نظير قول العرب للصائغ إذا استصاغته خاتما من خاتم مصوغ، بتحويله عن صياغته التي هو بها إلى صياغة أخرى:
صغ لي من هذا الخاتم خاتما غيره! فيكسره ويصوغ له منه خاتما غيره والخاتم المصوغ بالصياغة الثانية هو الأول، ولكنه لما أعيد بعد كسره خاتما قيل هو غيره. قالوا: فكذلك معنى قوله: * (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها) * لما احترقت الجلود ثم أعيدت جديدة بعد الاحتراق، قيل هي غيرها على ذلك المعنى.
وقال آخرون: معنى ذلك: * (كلما نضجت جلودهم) * سرابيلهم، بدلناهم سرابيل من قطران غيرها. فجعلت السرابيل القطران لهم جلودا، كما يقال للشئ الخاص بالإنسان:
هو جلدة ما بين عينيه ووجهه لخصوصه به. قالوا: فكذلك سرابيل القطران التي قال الله في كتابه: * (سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار) * لما صارت لهم لباسا لا تفارق أجسامهم جعلت لهم جلودا، فقيل: كلما اشتعل القطران في أجسامهم واحترق بدلوا سرابيل من قطران آخر. قالوا: وأما جلود أهل الكفر من أهل النار فإنها لا تحرق، لان في