حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، قال: ثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظمائهم - يعني: من عظماء اليهود إذا كلم رسول الله (ص) لوى لسانه وقال: راعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك! ثم طعن في الاسلام وعابه، فأنزل الله: * (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة) *... إلى قوله: * (فلا يؤمنون إلا قليلا) *.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق بإسناده عن ابن عباس، مثله.
القول في تأويل قوله تعالى: * (يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا) *.
يعني جل ثناؤه بقوله: * (يشترون الضلالة) *: اليهود الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يختارون الضلالة، وذلك الاخذ على غير طريق الحق وركوب غير سبيل الرشد والصواب، مع العلم منهم بقصد السبيل ومنهم الحق. وإنما عنى الله بوصفهم باشترائهم الضلالة مقامهم على التكذيب بمحمد (ص) وتركهم الايمان به، وهم عالمون أن السبيل الحق الايمان به وتصديقه بما قد وجدوا من صفته في كتبهم التي عندهم.
وأما قوله: * (ويريدون أن تضلوا السبيل) * يعني بذلك تعالى ذكره: ويريد هؤلاء اليهود الذين وصفهم جل ثناؤه بأنهم أوتوا نصيبا من الكتاب أن تضلوا أنتم يا معشر أصحاب محمد (ص) المصدقين به أن تضلوا السبيل، يقول: أن تزولوا عن قصد الطريق، ومحجة الحق، فتكذبوا بمحمد، وتكونوا ضلالا مثلهم. وهذا من الله تعالى ذكره تحذير منه عباده المؤمنين أن يستنصحوا أحدا من أعداء الاسلام في شئ من أمر دينهم، أو أن يسمعوا شيئا من طعنهم في الحق. ثم أخبر الله جل ثناؤه عن عداوة هؤلاء اليهود الذين نهى المؤمنين أن يستنصحوهم في دينهم إياهم، فقال جل ثناؤه: * (والله أعلم بأعدائكم) * يعني بذلك تعالى ذكره: والله أعلم منكم بعداوة هؤلاء اليهود أيها المؤمنون، يقول: فانتهوا إلى طاعتي عما نهيتكم عنه من استنصاحهم في دينكم، فإني أعلم بما هم عليه لكم من الغش