حدثنا أبو كريب، قال: ثنا صيفي بن ربعي، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي اليقظان، قال: كنا مع رسول الله (ص)، فهلك عقد لعائشة، فأقام رسول الله (ص) حتى أضاء الصبح، فتغيظ أبو بكر على عائشة، فنزلت عليه الرخصة المسح بالصعيد، فدخل أبو بكر فقال لها: إنك لمباركة، نزل فيك رخصة! فضربنا بأيدينا ضربة لوجهنا، وضربة بأيدينا إلى المناكب والآباط.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن الحد الذي لا يجزئ المتيمم أن يقصر عنه في مسحه بالتراب من يديه، الكفان إلى الزندين لاجماع الجميع على أن التقصير عن ذلك غير جائز، ثم هو فيما جاوز ذلك مخير إن شاء بلغ بمسحه المرفقين، وإن شاء الآباط. والعلة التي من أجلها جعلناه مخيرا فيما جاوز الكفين أن الله لم يحد في مسح ذلك بالتراب في التيمم حدا لا يجوز التقصير عنه، فما مسح المتيمم من يديه أجزأه، إلا ما أجمع عليه، أو قامت الحجة بأنه لا يجزئه التقصير عنه، وقد أجمع الجميع على أن التقصير عن الكفين غير مجزئ، فخرج ذلك بالسنة، وما عدا ذلك فمختلف فيه، وإذ كان مختلفا فيه، وكان الماسح بكفيه داخلا في عموم الآية كان خارجا مما لزمه من فرض ذلك.
واختلف أهل التأويل في الجنب، هل هو ممن دخل في رخصة التيمم إذا لم يجد الماء أم لا؟ فقال جماعة من أهل التأويل من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين حكم الجنب فيما لزمه من التيمم إذا لم يجد الماء حكم من جاء من الغائط، وسائر من أحدث ممن جعل التيمم له طهورا لصلاته، وقد ذكرت قول بعض من تأول قول الله: * (أو لامستم النساء) * أو جامعتموهن، وتركنا ذكر الباقين لكثرة من قال ذلك. واعتل قائلو هذه المقالة بأن للجنب التيمم إذا لم يجد الماء في سفره بإجماع الحجة على ذلك نقلا عن نبيها (ص) الذي يقطع العذر، ويزيل الشك. وقال جماعة من المتقدمين: لا يجزئ الجنب غير الاغتسال بالماء، وليس له أن يصلي بالتيمم، والتيمم لا يطهره. قالوا: وإنما جعل التيمم رخصة لغير الجنب، وتأولوا قول الله: * (ولا جنبا إلا عابري سبيل) * قالوا: وقد نهى الله الجنب أن يقرب مصلى المسلمين إلا مجتازا فيه حتى يغتسل، ولم يرخص له بالتيمم.