يعني: ومنهم من دمعه. وكما قال الله تبارك وتعالى: * (وما منا إلا له مقام معلوم) *، وإلى هذا المعنى كانت عامة أهل العربية من أهل البصرة يوجهون تأويل قوله: * (من الذين هادوا يحرفون الكلم) * غير أنهم كانوا يقولون: المضمر في ذلك القوم، كأن معناه عندهم: من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم، ويقولون: نظير قول النابغة:
كأنك من جمال بني أقيش * يقعقع خلف رجليه بشن يعني: كأنك جمل من جمال أقيش.
فأما نحويو الكوفة، فينكرون أن يكون المضمر مع من إلا من أو ما أشبهها.
والقول الذي هو أولى بالصواب عندي في ذلك قول من قال قوله: * (من الذين هادوا) * من صلة الذين أوتوا نصيبا من الكتاب، لان الخبرين جميعا والصفتين من صفة نوع واحد من الناس، وهم اليهود الذين وصف الله صفتهم في قوله: * (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) *. وبذلك جاء تأويل أهل التأويل، فلا حاجة بالكلام إذ كان الامر كذلك إلى أن يكون فيه متروك.
وأما تأويل قوله: * (يحرفون الكلم عن مواضعه) * فإنه يقول: يبدلون معناها ويغيرونها عن تأويله، والكلم جماع كلمة. وكان مجاهد يقول: عنى بالكلم: التوراة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: * (يحرفون الكلم عن مواضعه) *: تبديل اليهود التوراة.
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
وأما قوله: * (عن مواضعه) * فإنه يعني: عن أماكنه ووجوهه التي هي وجوهه.