حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي وائل وأبي رزين وإبراهيم في قوله: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * و * (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) *، وقوله:
* (تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) * قالوا: كان هذا قبل أن ينزل تحريم الخمر.
وقال آخرون: معنى ذلك: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى من النوم. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك: * (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * قال: سكر النوم.
حدثنا أحمد بن حازم الغفاري، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سلمة، عن الضحاك: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * قال: لم يعن بها سكر الخمر، وإنما عنى بها سكر النوم.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بتأويل الآية، تأويل من قال ذلك: نهى من الله المؤمنين عن أن يقربوا الصلاة وهم سكارى من الشراب قبل تحريم الخمر، للاخبار المتظاهرة عن أصحاب رسول الله (ص) بأن ذلك كذلك نهي من الله، وأن هذه الآية نزلت فيمن ذكرت أنها نزلت فيه فإن قال لنا قائل: وكيف يكون ذلك معناه، والسكران في حال زوال عقله نظير المجنون في حال زوال عقله، وأنت ممن تحيل تكليف المجانين لفقدهم الفهم بما يؤمر وينهى؟ قيل له: إن السكران لو كان في معنى المجنون لكان غير جائز أمره ونهيه، ولكن السكران هو الذي يفهم ما يأتي ويذر، غير أن الشراب قد أثقل لسانه وأحر جسمه وأخدره، حتى عجز عن إقامة قراءته في صلاته وحدودها الواجبة عليه فيها من غير زوال عقله، فهو بما أمر به ونهي عنه عارف فهم، وعن أداء بعضه عاجز بخدر جسمه من الشراب. وأما من صار إلى حد لا يعقل ما يأتي ويذر، فذلك منتقل من السكر إلى الخبل، ومعدود في المجانين، وليس ذلك الذي خوطب بقوله: * (لا تقربوا الصلاة) * لان ذلك مجنون، وإنما خوطب به السكران، والسكران ما وصفنا صفته.
القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) *.