شهيدا، * (يود الذين كفروا) * يقول: يتمنى الذين جحدوا وحدانية الله وعصوا رسوله، لو تسوى بهم الأرض.
واختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل الحجاز ومكة والمدينة: لو تسوى بهم الأرض بتشديد السين والواو وفتح التاء، بمعنى: لو تتسوى بهم الأرض، ثم أدغمت التاء الثانية في السين، يراد به: أنهم يودون لو صاروا ترابا، فكانوا سواء هم والأرض. وقرأ آخرون ذلك: لو تسوى بهم الأرض بفتح التاء وتخفيف السين، وهي قراءة عامة قراء أهل الكوفة بالمعنى الأول، غير أنهم تركوا تشديد السين، واعتلوا بأن العرب لا تكاد تجمع بين تشديدين في حرف واحد. وقرأ ذلك آخرون: * (لو تسوى بهم الأرض) * بمعنى: لو سواهم الله والأرض، فصاروا ترابا مثلها بتصييره إياهم، كما يفعل ذلك بمن ذكر أنه يفعله به من البهائم. وكل هذه القراءات متقاربات المعنى، وبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب، لان من تمنى منهم أن يكون يومئذ ترابا إنما يتمنى أن يكون كذلك بتكوين الله إياه كذلك، وكذلك من تمنى أن يكون الله جعله كذلك فقد تمنى أن يكون ترابا.
على أن الامر وإن كان كذلك، فأعجب القراءة إلي في ذلك: لو تسوى بهم الأرض بفتح التاء وتخفيف السين، كراهية الجمع بين تشديدين في حرف واحد، وللتوفيق في المعنى بين ذلك وبين قوله: * (ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا) * فأخبر الله عنهم جل ثناؤه أنهم يتمنون أن كانوا ترابا، ولم يخبر عنهم أنهم قالوا: يا ليتني كنت ترابا، فكذلك قوله: لو تسوى بهم الأرض فيسووا هم، وهي أعجب إلي ليوافق ذلك المعنى الذي أخبر عنهم بقوله: * (يا ليتني كنت ترابا) *.
وأما قوله: * (ولا يكتمون الله حديثا) * فإن أهل التأويل تأولوه، بمعنى: ولا تكتم الله جوارحهم حديثا وإن جحدت ذلك أفواههم. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عمرو عن مطرف، عن المنهال بن عمرو، عن