فليأت إلى حقه! فتفرح المرأة أن يذوب لها الحق على أبيها، أو على ابنها، أو على أخيها، أو على زوجها، ثم قرأ ابن مسعود: * (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) * فيغفر الله تبارك وتعالى من حقه ما شاء، ولا يغفر من حقوق الناس شيئا، فينصب للناس فيقول: آتوا إلى الناس حقوقهم! فيقول: رب فنيت الدنيا من أين أؤتيهم حقوقهم؟ فيقول:
خذوا من أعماله الصالحة، فأعطوا كل ذي حق حقه بقدر مظلمته، فإن كان وليا لله، ففضل له مثقال ذرة ضاعفها له حتى يدخله بها الجنة! - ثم قرأ علينا: * (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) * وإن كان عبدا شقيا قال الملك: رب فنيت حسناته، وبقي طالبون كثير. فيقول:
خذوا من سيئاتهم، فأضيفوها إلى سيئاته، ثم صكوا له صكا إلى النار.
قال أبو جعفر: فتأويل الآية على تأويل عبد الله هذا: إن الله لا يظلم عبدا وجب له مثقال ذرة قبل عبد له آخر في معاده ويوم لقائه فما فوقه فيتركه عليه فلا يأخذه للمظلوم من ظالمه، ولكنه يأخذه منه له، ويأخذ من كل ظالم لكل مظلوم تبعته قبله. * (وإن تك حسنة يضاعفها) * يقول: وإن توجد له حسنة يضاعفها، بمعنى: يضاعف له ثوابها وأجرها.
* (ويؤت من لدنه أجرا عظيما) * يقول: ويعطه من عنده أجرا عظيما. والأجر العظيم: الجنة على ما قاله عبد الله.
ولكلا التأويلين وجه مفهوم، أعني التأويل الذي قاله ابن مسعود والذي قاله قتادة.
وإنما اخترنا التأويل الأول لموافقته الأثر عن رسول الله (ص) مع دلالة ظاهر التنزيل على صحته، إذ كان في سياق الآية التي قبلها، التي حث الله فيها على النفقة في طاعته، وذم النفقة في طاعة الشيطان، ثم وصل ذلك بما وعد المنافقين في طاعته بقوله: * (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) *.
واختلفت القراء في قراءة قوله: * (وإن تك حسنة) *. فقرأت ذلك عامة قراء العراق:
* (وإن تك حسنة) * بنصب الحسنة، بمعنى: وإن تك زنة الذرة حسنة يضاعفها. وقرأ ذلك عامة قراء المدينة: وإن تك حسنة برفع الحسنة، بمعنى: وإن توجد حسنة على ما ذكرت