قد تقدم قبله، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. ثم قال تعالى ذكره: (وصية لأزواجهم) فاختلف القراء ذلك، فقرأ بعضهم: (وصية لأزواجهم) بنصب الوصية، بمعنى: فليوصوا وصية لأزواجهم، أو عليهم وصية لأزواجهم.
وقرأ آخرون: " وصية ولأزواجهم " برفع " الوصية ".
ثم اختلف أهل العربية في وجه رفع الوصية؟ فقال بعضهم: رفعت بمعنى: كتبت عليهم الوصية، واعتل في ذلك بأنها كذلك في قراءة عبد الله.
فتأويل الكلام على ما قاله هذا القائل: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا كتبت عليهم وصية لأزواجهم، ثم ترك ذكر " كتبت "، ورفعت " الوصية " بذلك المعنى وإن كان متروكا ذكره.
وقال آخرون منهم: بل الوصية مرفوعة بقوله: (لأزواجهم) فتأول: لأزواجهم وصية.
والقول الأول أولى بالصواب في ذلك، وهو أن ت كون الوصية إذا رفعت مرفوعة بمعنى: كتبت عليكم وصية لأزواجهم، لان العرب تضمر النكرات مرافعها قبلها إذا أضمرت، فإذا أظهرت بدأت به قبلها، فتقول: جاءني رجل اليوم، وإذا قالوا: رجل جاءني اليوم، لم يكادوا أن يقولوه إلا والرجل حاضر يشيرون إليه بهذا، أو غائب قد علم المخبر عنه خبره، أو بحذف " هذا " وإضماره، وإن حذفوه لمعرفة السامع بمعنى المتكلم، كما قال الله تعالى ذكره: (سورة أنزلنا) (1) و (براءة من الله ورسوله) (2) فكذلك في قوله:
(وصية لأزواجهم).
وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا قراءة من قرأه رفعا لدلالة ظاهر القرآن على أن مقام المتوفى عنها زوجها في بيت زوجها المتوفى حولا كاملا، كان حقا لها قبل نزول قوله: ((الذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) (3) وقبل نزول آية الميراث، ولتظاهر الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي دل عليه الظاهر من ذلك، أوصى لهن أزواجهن بذلك قبل وفاتهن أو لم يوصووا لهن به.
فإن قال قائل: وما الدلالة على ذلك؟ قيل: لما قال الله تعالى ذكره: (والذين يتوفون