فإن قال قائل: وكيف تكون على الذي يموت كافرا بمحمد (ص) من أصناف الأمم، وأكثرهم ممن لا يؤمن به ويصدقه؟ قيل: إن معنى ذلك على خلاف ما ذهبت إليه.
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: عنى الله بقوله: والناس أجمعين أهل الايمان به وبرسوله خاصة دون سائر البشر. ذكر من قال ذلك:
1981 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: والناس أجمعين يعني بالناس أجمعين: المؤمنين.
1982 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: والناس أجمعين يعني بالناس أجمعين: المؤمنين.
وقال آخرون: بل ذلك يوم القيامة يوقف على رؤوس الاشهاد الكافر فيلعنه الناس كلهم. ذكر من قال ذلك:
1983 - حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية: أن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله، ثم تلعنه الملائكة، ثم يلعنه الناس أجمعون.
وقال آخرون: بل ذلك قول القائل كائنا من كان: لعن الله الظالم، فيلحق ذلك كل كافر لأنه من الظلمة. ذكر من قال ذلك:
1984 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي قوله: أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فإنه لا يتلاعن اثنان مؤمنان ولا كافران فيقول أحدهما: لعن الله الظالم إلا وجبت تلك اللعنة على الكافر لأنه ظالم، فكل أحد من الخلق يلعنه.
وأولى هذه الأقوال بالصواب عندنا قول من قال: عنى الله بذلك جميع الناس بمعنى لعنهم إياهم بقولهم: لعن الله الظالم أو الظالمين، فإن كل أحد من بني آدم لا يمنع من قيل ذلك كائنا من كان، ومن أي أهل ملة كان، فيدخل بذلك فلعنته كل كافر كائنا من كان.
وذلك بمعنى ما قاله أبو العالية، لان الله تعالى ذكره أخبر عمن شهدهم يوم القيامة أنهم يلعنونهم، فقال: فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين.